فانقلب لحما ودما، وظهر منه الخوار مرة واحدة. فقال السامري: هذا إلهكم وإله موسى أَلَمْ يَرَوْا أي ألم يعلم قوم موسى أَنَّهُ أي العجل لا يُكَلِّمُهُمْ بشيء وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا بوجه من الوجوه اتَّخَذُوهُ أي عبدوه وَكانُوا ظالِمِينَ (١٤٨) لأنفسهم حيث أعرضوا عن عبادة الله تعالى واشتغلوا بعبادة العجل وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ أي لما اشتد ندمهم على عبادة العجل.
و «سقط» مبني للمجهول، وأصل الكلام: سقطت أفواههم على أيديهم ف «في» بمعنى على وذلك من شدة الندم، فإن العادة أن الإنسان إذا ندم بقلبه على شيء عضّ بفمه على أصابعه، فسقوط الأفواه على الأيدي لازم للندم فأطلق اسم اللازم وأريد الملزوم على سبيل الكناية وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا أي تبينوا ضلالهم تبيينا كأنهم أبصروه بعيونهم بحيث تيقنوا ضلالهم بعبادة العجل.
قالُوا أي قال بعضهم لبعض: لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا فيعذبنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (١٤٩) بالعقوبة.
وقرأ حمزة والكسائي بتاء الخطاب في الفعلين حكاية لدعائهم وبنصب «ربنا» على النداء وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ من مناجاته غَضْبانَ على قومه لأجل عبادتهم العجل أَسِفاً أي حزينا لأن الله تعالى فتنهم قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أي بئسما قمتم مقامي وكنتم خلفائي من بعد انطلاقي إلى الجبل. وهذا الخطاب إما لعبدة العجل من السامري وأشياعه، أي بئسما خلفتموني حيث عبدتم العجل مكان عبادة الله تعالى، وإما لهارون والمؤمنين معه أي بئسما خلفتموني حيث لم تمنعوهم من عبادة غير الله تعالى والمخصوص بالذم محذوف تقديره بئس خلافة خلفتمونيها من بعدي خلافتكم هذه أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ أي أعجلتم وعد ربكم من الأربعين فلم تصبروا له وذلك أنهم قدروا أن موسى لما لم يأت على رأس الثلاثين ليلة فقد مات فإنهم عدوا عشرين يوما بلياليها أربعين وَأَلْقَى الْأَلْواحَ أي وضع ألواح التوراة في موضع ليتفرغ لما قصده من مكالمة قومه فلما فرغ عاد إليها فأخذها بعينها وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ أي بشعر رأس هارون يَجُرُّهُ إِلَيْهِ أي إلى نفسه لا على سبيل الإهانة بل ليستكشف منه كيفية تلك الواقعة قالَ هارون ابْنَ أُمَّ.
قراه ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم بكسر الميم هنا وفي طه. والباقون بفتحها في السورتين إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي أي وجدوني ضعيفا وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي لأني نهيتهم عن عبادة العجل فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ أي فلا تسر الأعداء أصحاب العجل بما تفعل بي من المكروه وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١٥٠) أي ولا تظن أني واحد من الذين عبدوا العجل مع براءتي منهم وإنما قال هارون تلك المقالة لأنه يخاف أن يتوهم جهال بني إسرائيل أن موسى عليه السلام غضبان عليه كما أنه غضبان على عبدة العجل.
قالَ موسى: رَبِّ اغْفِرْ لِي فيما