في الفساد ويتدرجون في المعاصي بسبب ترادف تلك النعم، ثم يأخذهم الله تعالى دفعة واحدة على غرتهم أغفل ما يكونون وَأُمْلِي لَهُمْ أي أمهلهم وأطيل مدة أعمارهم إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (١٨٣) أي إن استدراجي قوي لا يدافع بقوة ولا بحيلة. وسمى العذاب كيدا لأن ظاهره إحسان ولطف وباطنه خذلان وقهر أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ أي أكذبوا بآياتنا ولم يتفكروا ليس بنبيهم محمد صلّى الله عليه وسلّم حالة قليلة من الجنون والتعبير عنه صلّى الله عليه وسلّم بصاحبهم للإعلام بأن طول مصاحبتهم له صلّى الله عليه وسلّم مما يطلعهم على نزاهته صلّى الله عليه وسلّم عن شائبة جنون، ف «ما» نافية اسمها «جنة» وخبرها «بصاحبهم» والجملة في محل نصب معمولة ل «يتفكروا» إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (١٨٤) أي ما هو إلا رسول مخوف مظهر لهم في التخويف بلغة يعلمونها أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ أي أكذبوا بها ولم ينظروا نظر تأمل فيما يدل عليه السموات والأرض من عظم الملك وكمال القدرة، وفيما خلق فيهما من جليل ودقيق ليدلهم ذلك على العلم بوحدانية الله تعالى وبسائر شؤونه التي تنطق بها تلك الآيات فيؤمنوا بها فإن كل فرد من أفراد الأكوان دليل لائح على الصانع المجيد وسبيل واضح إلى التوحيد وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ أي وفي أن الشأن عسى أن يكون أجلهم قد اقترب أي لعلهم يموتون عن قريب فما لهم لا يسارعون إلى التدبر في الآيات التكوينية الشاهدة بما كذبوه من الآيات القرآنية فيهلكوا على الكفر ويصيروا إلى النار فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (١٨٥) أي فبأي كتاب بعد القرآن يؤمنون إذا لم يؤمنوا به، أي لأنهم إذا لم يؤمنوا بهذا القرآن مع ما فيه من هذه التنبيهات الظاهرة فكيف يرجى منهم الإيمان بغيره مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ فإن إعراضهم عن الإيمان لإضلال الله إياهم وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ أي ضلالهم يَعْمَهُونَ (١٨٦) أي يتحيرون.
وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر و «نذرهم» بالنون والرفع على طريقة الالتفات. وأبو عمرو بالياء والرفع. وحمزة والكسائي بالياء والجزم. وقد روي الجزم بالنون عن نافع وأبي عمرو في الشواذ. يَسْئَلُونَكَ يا أشرف الخلق سؤال استهزاء عَنِ السَّاعَةِ أي عن وقت القيامة منهم ممل بن أبي قشير، وشمويل بن زيد. والساعة: من الأسماء الغالبة كالنجم للثريا، وسميت القيامة بالساعة لوقوعها بغتة على حين غفلة من الخلق، أو لأن حساب الخلق يقضى فيها في ساعة واحدة، أو لأنها مع طولها في نفسها كساعة واحدة عند الخلق أَيَّانَ مُرْساها أي متى حصولها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي أي إنه تعالى قد انفرد به بحيث لم يخبر به أحدا من ملك مقرب أو نبي مرسل لا
يُجَلِّيها لِوَقْتِها
أي لا يظهر أمرها الذي تسألونني عنه في وقتها المعين إِلَّا هُوَ أي لا يقدر على إظهار وقتها المعين بالإعلام إلا هو ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي ثقل تحصيل العلم بوقتها المعين على أهل السموات والأرض فلم يعلم أحد من الملائكة المقرّبين والأنبياء المرسلين متى وقوعها لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً أي فجأة على غفلة.
قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إن الساعة تفجأ