وروي أنه لما نزلت تلك الآية الكريمة قال صلّى الله عليه وسلّم: «كيف يا رب والغضب متحقق» «١» فنزل قوله تعالى
: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا أي اتصفوا بوقاية أنفسهم عمّا يضرها إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ أي إذا أصابهم وسوسة من الشيطان وغضب تَذَكَّرُوا ما أمرهم الله به من ترك إمضاء الغضب ومن أن الإنسان إذا أمضى الغضب كان شريكا للسباع المؤذية والحيات القاتلة، وإن تركه واختار العفو كان شريكا لأكابر الأنبياء والأولياء ومن أنه ربما انقلب ذلك الضعيف قويا قادرا على الغضب فحينئذ ينتقم منه على أسوأ الوجوه أما إذا عفا كان ذلك إحسانا منه إلى ذلك الضعيف فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (٢٠١) أي إذا حضرت هذه التذكرات في عقولهم ففي الحال يحصل الخلاص من وسوسة الشيطان ويحصل الانكشاف فينتهون عن المعصية وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ أي وإخوان الشياطين من الكفار يقوون الشياطين في الضلال، وذلك لأن شياطين الإنس إخوان لشياطين الجن. فشياطين الإنس يضلون الناس فيكون ذلك تقوية منهم لشياطين الجن على الإضلال ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (٢٠٢) أي لا ينكف الغاوون عن الضلال والمغوون عن الإضلال وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ أي أهل مكة بِآيَةٍ كما طلبوا قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها أي هلا جمعتها من تلقاء نفسك تقولا فإنهم يزعمون أن سائر الآيات كذلك أو هلا اقترحتها على إلهك إن كنت صادقا في أن الله يقبل دعاءك ويجيب التماسك وعند هذا أمر الله رسوله أن يذكر الجواب الشافي بقوله تعالى: قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي أي ليس لي أن أقترح على ربي في أمر من الأمور وإنما أنتظر الوحي فكل شيء أكرمني به قلته وإلا فالواجب السكوت وترك الاقتراح فعدم الإتيان بالمعجزات التي اقترحوها لا يقدح في الغرض، لأن ظهور القرآن على وفق دعواه صلّى الله عليه وسلّم معجزة باهرة فإذا ظهرت هذه المعجزة الواحدة كانت كافية في تصحيح النبوة فكان طلب الزيادة من باب التعنت فذكر الله تعالى في وصف القرآن ثلاثة بقوله تعالى:
هذا أي القرآن بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ أي بمنزلة البصائر للقلوب فيه تبصر الحق وتدرك الصواب وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٢٠٣) بالقرآن في حق أصحاب عين اليقين وهم من بلغوا الغاية في معارف التوحيد بصائر وفي حق أصحاب علم اليقين وهم الذين وصلوا إلى درجات المستدلين هدى وفي حق عامة المؤمنين رحمة وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا وهذا خطاب مع الكفار عند قراءة الرسول عليهم القرآن في مسلك الاحتجاج بكونه معجزا على صدق نبوته فإنهم قالوا: لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون، فأمروا بالاستماع حتى يمكنهم الوقوف على ما في القرآن ولذا قال تعالى: لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤) أي لعلكم تطلعون على ما في القرآن من دلائل الإعجاز فتؤمنوا بالرسول فتصيروا مرحومين وَاذْكُرْ