وَرَسُولَهُ
في أمر القتال وغيره وَلا تَنازَعُوا أي لا تختلفوا في أمر الحرب فَتَفْشَلُوا أي فتجبنوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ أي شدتكم وَاصْبِرُوا على شدائد الحرب إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (٤٦) بالنصرة والكلاءة وَلا تَكُونُوا في الاستكبار والفخر كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ مكة لحماية العير بَطَراً أي شديد المرح وَرِئاءَ النَّاسِ أي ولثناء الناس عليهم بالشجاعة والسماحة، وذلك أن قريشا خرجوا من مكة لحفظ الغير، فلما بلغوا جحفة أتاهم رسول أبي سفيان وقال: ارجعوا إلى مكة فقد سلمت عيركم. فأبوا إلا إظهار آثار الجلادة، وأيضا لما وردوا الجحفة بعث الحقاف الكناني إلى أبي جهل وهو صديق له بهدايا مع ابن له، فلما أتاه قال: إن أبي يقول لك: إن شئت أن أمدك بالرجال أمددنك، وإن شئت أن أزحف إليك بمن معي من قرابتي فعلت. فقال أبو جهل: قل لأبيك جزاك الله خيرا إن كنا نقاتل الله كما يزعم محمد فو الله ما لنا بالله من طاقة، وإن كنا نقاتل الناس فو الله إن بنا على الناس لقوة، والله ما نرجع عن قتال محمد حتى نرد بدرا فنشرب فيها الخمور وتعزف علينا القيان، وتنحر الجزور في بدر فيقنى الناس علينا بالشجاعة والسماحة وقد بدلهم الله شرب الخمور بشرب كأس
الموت، وبدّل ضرب الجواري على نحو الدفوف بنوح النائحات، وبدّل نحر الجزور بنحر رقابهم حيث قتل منهم سبعون وأسر سبعون.
واعلم أن النعم إذا كثرت من الله تعالى على العبد فإن صرفها إلى مرضاته تعالى وعرف أنها من الله تعالى فذاك هو الشكر، وأما إن توسل بها إلى المفاخرة على الأقران والمغالبة بالكثرة على أهل الزمان فذاك هو البطر. وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي ويمنعون الناس من الدخول في دين الله، وهذا معطوف على «بطرا»، وإنما ذكر البطر والرياء بصيغة الاسم، والصد بصيغة الفعل لأن أبا جهل ورهطه كانوا مجبولين على المفاخرة والرياء، وأما صدّهم عن سبيل الله فإنما حصل في الزمان الذي ادعى سيدنا محمد النبوة وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٤٧) أي واللَّه أعلم بما في دواخل القلوب وهذا كالتهديد عن التصنع فإن الإنسان بما أظهر من نفسه أن الحامل له إلى ذلك الفعل طلب مرضاة الله تعالى مع أنه لا يكون الأمر في الحقيقة كذلك وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ أي واذكر وقت تزيين الشيطان أعمالهم في معاداة المؤمنين وخروجهم من مكة فإن المشركين حين أرادوا المسير إلى بدر خافوا من بني بكر بن كنانة لأنهم كانوا قتلوا منهم واحدا فلم يأمنوا أن يأتوهم من ورائهم فتصور لهم إبليس بصورة سراقة بن مالك بن جعشم وهو من بني بكر بن كنانة، وكان من أشرافهم في جند من الشياطين ومعه راية وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ أي لا غالب عليكم اليوم من بني كنانة ومن محمد صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ أي حافظكم من مضرتهم فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ أي التقى الجمعان جمع المؤمنين وجمع الكافرين بحيث رأت كل واحدة الأخرى، ورأى إبليس نزول الملائكة من السماء نَكَصَ عَلى