عَقِبَيْهِ
أي رجع إلى خلفه هاربا وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ فكان إبليس في صف المشركين وهو آخذ بيد الحارث بن هشام فقال له الحارث: إلى أين تترك نصرتنا في هذه الحالة؟ قال إبليس: إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ وأرى جبريل بين يدي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وفي يده اللجام يقود الفرس ولم تروه، ودفع إبليس في صدر الحارث وإِنِّي أَخافُ اللَّهَ أن يهلكني بتسليط الملائكة عليّ.
وقيل: لما رأى إبليس الملائكة ينزلون من السماء خاف أن يكون الوقت الذي أنظر إليه قد حضر، فقال ما قال إشفاقا على نفسه وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤٨) قاله الشيطان بسطا لعذره، وحينئذ فهو تعليل أو مستأنف من محض كلامه تعالى تهديدا لإبليس إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وهم قوم من الأوس والخزرج وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أي شك وهم قوم من قريش أسلموا ولم يقو إسلامهم في قلوبهم ولم يهاجروا منهم: عتبة بن ربيعة، وقيس بن الوليد، وأبو قيس الفاكه، والحارث بن زمعة، وعدي بن أمية، والعاص بن منبه، والعامل في «إذ زيّن» أو اذكر مقدرا غَرَّ هؤُلاءِ أي محمدا وأصحابه دِينُهُمْ فإنهم خرجوا وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر يقاتلون ألف رجل وما ذاك إلا أنهم اعتمدوا على دينهم. وقال هؤلاء: لما خرج قريش لحرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نخرج مع قومنا فإن كان محمد في كثرة خرجنا إليه، وإن كان في قلة أقمنا في قومنا، فلما خرجوا مع قريش ورأوا قلة المسلمين وكثرة الكفّار رجعوا للكفر وقالوا ذلك القول، وقتلوا جميعا مع المشركين يوم بدر ولم يحضر منافق في بدر مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلا واحد وهو عبد الله بن أبي وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٩) أي ومن يعول على إحسان الله ويثق بفضله ويسلم أمره إلى الله فإن الله حافظه وناصره، لأنه عزيز لا يغلبه شيء، حكيم يوصل العذاب إلى أعدائه والرحمة إلى أوليائه وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ أي ولو رأيت يا أشرف الخلق الكفرة حين يتوفاهم الملائكة في بدر يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ ويقولون لهم: وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٥٠) أي النار لأنه كان مع الملائكة مقامع، وكلما ضربوا بها التهبت النار منها في الأجزاء. وجواب «لو» محذوف أي لرأيت أمرا فظيعا لا يكاد يوصف.
ذلِكَ العذاب بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ أي بسبب ما عملت أيديكم من الكفر والمعاصي وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٥١) أي والأمر أنه تعالى ليس بمعذب لعبيده بغير ذنب من جهتهم كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي عادة كفار قريش فيما فعلوه من الكفر، وما فعل بهم من العذاب كعادة آل فرعون وقوم ونوح وعاد وأضرابهم من الكفر والعناد في ذلك كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ أي أنكروا الدلائل الإلهية، وهذه الجملة تفسير لدأب كفار قريش فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ أي بسبب ذنوبهم إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ بالأخذ شَدِيدُ الْعِقابِ (٥٢) أي إذا عاقب ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ أي تعذيب الكفرة بما قدمت أيديهم بسبب أن الله لم يكن مغيرا نعمة أنعم بها عليهم- كالعقل وإزالة الموانع- حتى يغيروا أحوالهم، فإذا صرفوا تلك النعمة إلى الفسق