أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
(١٤) أي فهل أنتم داخلون في الإسلام. والمعنى فإن لم يستجب لكم آلهتكم وسائر من إليهم تجأرون في ملماتكم إلى المعاونة فاعلموا أن القرآن خارج عن دائرة قدرة البشر وأنه منزل من خالق القوى والقدر، واعلموا أيضا أن آلهتكم بمعزل عن رتبة الشركة في الألوهية فهل أنتم داخلون في الإسلام بعد قيام هذه الحجة القاطعة مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها بعمل الخير من العبادات وإيصال المنفعة إلى الحيوانات نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها أي نوصل إليهم ثمرات أعمالهم في الحياة الدنيا كاملة وَهُمْ فِيها أي في الحياة الدنيا لا يُبْخَسُونَ (١٥) أي لا ينقصون نقصا كليا ولا يحرمون من ذلك حرمانا كليا وهو ما يرزقون فيها من الصحة والرياسة، وسعة الرزق، وكثرة الأولاد ونحو ذلك أُولئِكَ أي المريدون لزينة الدنيا الموفون فيها ثمرات أعمالهم الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ بسبب هذه الأعمال الفاسدة المقرونة بالرياء.
روي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «تعوذوا بالله من جب الحزن» قيل: وما جب الحزن؟ قال:
«واد في جهنم يلقى فيه القراء والمراؤون»
«١».
وقال صلّى الله عليه وسلّم: «أشد الناس عذابا يوم القيامة من يرى الناس أن فيه خيرا ولا خير فيه»
«٢». وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وهذا إن تعلق بحبط، فالضمير عائد على «الآخرة»، أي وظهر في الآخرة حبط ما صنعوه من الأعمال وإن تعلق «بصنعوا» فالضمير يعود على الحياة الدنيا أي وحبط ما صنعوه في الدنيا من أعمال البر وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٦) فباطل إما خبر مقدم وما بعده مبتدأ مؤخر، أو عطف على الخبر وما بعده فاعل له، ويرجح هذا قراءة زيد بن على وبطل ما كانوا يعملون على صيغة الماضي معطوف على حبط أي ظهر بطلان عملهم في نفسه في أثناء تحصيل المطالب الدنيوية.
وقرئ «وباطلا» ما كانوا يعملون على أن ما إبهامية أو في معنى المصدر أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أي أفمن كان على برهان من ربه عرف به صحة الدين الحق ويتبع ذلك البرهان شاهد من ربه وهو القرآن ويتبع ذلك البرهان من قبل مجيء الشاهد الذي هو القرآن شاهد آخر وهو كتاب موسى حال كونه مقتدى به في الدين وسببا لحصول الرحمة لأنه يهدي إلى الحق في الدنيا والدين كمن يريد الحياة الدنيا وزينتها في أنهم ليس لهم في الآخرة إلا النار، لا بل بين الفريقين تباين بين فالحاصل أنه اجتمع في تثبيت صحة هذا الدين أمور ثلاثة:
(٢) رواه السيوطي في جمع الجوامع (٣٢٦٤).