وقيل: إن النسوة لما رأين يوسف لم يلتفت إليهن ألبتة، ورأين عليه هيبة النبوة والرسالة وسيما الطهارة قلن: إنا ما رأينا فيه أثرا من آثار الشهوة ولا صفة من الإنسانية فهذا قد تطهر عن جميع الصفات المغروزة في البشر وقد ترقى عن حد الإنسانية ودخل في الملكية قالَتْ أي زليخا لهن: فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ أي فهذا الذي ترينه هو ذلك العبد الكنعاني الذي عيبتنني في الافتتان به قبل أن تتصورنه حق تصوره ولو حصلت صورته في خيالكن لتركتن هذه الملامة وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ حسبما سمعتن وقلتن فَاسْتَعْصَمَ أي فامتنع عني بالعفة وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ أي إن لم يفعل يوسف مقتضى أمري إياه من قضاء شهوتي لَيُسْجَنَنَّ أي ليعاقبن بالحبس وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ (٣٢) أي من الذليلين في السجن فقلن ليوسف: أطع مولاتك قالَ أي يوسف مناجيا لربه عز وجل: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ أي يا رب دخول السجن أحب عندي مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ من مواتاتها التي تؤدي إلى الشقاء والعذاب الأليم وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ بالتثبيت على العصمة فإن كل واحدة منهن كانت ترغب يوسف على موافقة زليخا وتخوّفه على مخالفتها أَصْبُ إِلَيْهِنَّ أي أمل إلى إجابتهن على قضية الطبيعة البشرية وحكم القوة الشهوية وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٣) أي وأصر من الذين لا يعملون بعلمهم فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ دعاءه الذي في ضمن قوله وإلا تصرف عني إلخ فإن فيه التجاء إلى الله تعالى جريا على سنن الأنبياء والصالحين في قصر نيل الخيرات وطلب النجاة من الشرور على جناب الله تعالى كقول المستغيث أدركني وإلا هلكت فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ حسب دعائه وثبته على العصمة والعفة حتى وطّن نفسه على مشقة السجن إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لدعاء المتضرعين إليه الْعَلِيمُ (٣٤) للنيات فيجيب ما طاب منه العزم ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ أي ثم ظهر للعزيز وأصحابه المشاركين له في الرأي من بعد ما رأوا الشواهد الدالة على براءة يوسف عليه السلام كشهادة الصبي، وقد القميص من دبر وقطع النساء أيديهن سجنه عليه السلام قائلين والله لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (٣٥) أي إلى انقطاع مقالة الناس في المدينة فإن زليخا لما أيست من يوسف بجميع حيلها كي تحمله على موافقة مرادها قالت لزوجها: إن هذا العبد العبراني فضحني في الناس يقول لهم: إني راودته عن نفسه فإما أن تأذن لي فأخرج وأعتذر إليهم وإما أن تسجنه، فسجنه وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ أي عبدان لملك مصر الكبير وهو الريان بن الوليد العمليق سمى أحدهما: وهو صاحب شرابه سرهم، وسمى الآخر وهو صاحب مطبخه برهم.
وقيل: اسم الأول: مرطش، والثاني: رأسان، وسبب سجنهما أن جماعة من أهل مصر أرادوا قتل الملك فجعلوا لهما رشوة على أن يسما الملك في طعامه وشرابه فأجاباهم إلى ذلك، ثم إن الساقي ندم ورجع عن ذلك وقبل الخباز الرشوة وسمّ الطعام، فلما حضر الخبز بين يدي