الفرج من مخلوق مثله وذلك غفلة عرضت ليوسف عليه السلام فإن الاستعانة بالناس في دفع الظلم جائزة في الشريعة، إلا أن حسنات الأبرار سيئات المقربين فالأولى بالصديقين أن لا يشتغلوا إلا بمسبب الأسباب ولذلك جوزي يوسف بسنتين في الحبس كما قال تعالى: فَلَبِثَ أي يوسف فِي السِّجْنِ بسبب ذلك القول بِضْعَ سِنِينَ (٤٢) أي سبع سنين خمس منها قبل ذلك القول وثنتان بعده هذا هو الصحيح وَقالَ الْمَلِكُ الريان بن الوليد إِنِّي أَرى أي رأيت في منامي سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ قد خرجن من النهر ثم خرج منه بعدهن سبع بقرات مهازيل يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ أي ابتلعت العجاف السمان ودخلن في بطونهن ولم يتبين على العجاف شيء منهن وَإني أرى وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ أي قد انعقد حبها وَأُخَرَ أي وسبعا أخر يابِساتٍ أي قد بلغت أوان الحصد فالتوت اليابسات على الخضر حتى علون عليهن ولم يبق من خضرتهن شيء فقلق الملك لما رأى الناقص الضعيف قد استولى على القوي الكامل حتى غلبه فجمع سحرته كهنته ومعبريه وأخبرهم بما رأى في منامه وسألهم عن تأويلها فأعجزهم الله تعالى عن تأويل هذه الرؤيا ليكون ذلك سببا لخلاص يوسف من السجن فهذا هو قوله: يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أي السحرة والكهنة والمعبرون للرؤيا أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ أي بينوا لي تعبير رؤياي هذه إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ (٤٣) أي إن كنتم تعلمون بانتقال الرؤيا من الصور الخيالية إلى المعاني النفسانية التي هي مثالها قالُوا أي أشراف العلماء والحكماء: أَضْغاثُ أَحْلامٍ أي هذه الرؤيا مختلطة من أشياء كثيرة لا حقيقة لها وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ أي المنامات الباطلة التي لا أصل لها بِعالِمِينَ (٤٤) أي لأنه لا تأويل لها وإنما التأويل للرؤيا الصادقة. وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما أي الذي خلص من السجن من صاحبي يوسف بعد أن جلس بين يدي الملك أي قال الشرابي للملك إن في الحبس رجلا فاضلا صالحا كثير العلم، كثير الطاعة قصصت أنا والخباز عليه منامين فذكر تأويلهما فصدق في الكل وما أخطأ في حرف فإن أذنت مضيت إليه وجئتك بالجواب وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أي تذكر الشرابي يوسف بعد مدة طويلة. وقرأ الأشهب العقيلي «بعد أمة» بكسر الهمزة أي بعد ما أنعم عليه بالنجاة.
وقرئ «بعد أمه» بفتح الهمزة والميم، ثم بالهاء أي بعد نسيان. أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ أي أنا أخبرك أيها الملك بتعبير رؤياك فَأَرْسِلُونِ (٤٥) إلى السجن فأرسله إليه فأتى يوسف فقال له: يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أي البالغ في الصدق أَفْتِنا أي بين لنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ من البقر عِجافٌ في وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ في سبع وَأُخَرَ من السنابل يابِساتٍ أي في رؤيا ذلك رآها الملك لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ أي أعود إلى الملك وجماعته بفتواك لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (٤٦) فضلك وعلمك فإن الساقي علم عجز سائر المعبرين عن جواب هذه المسألة فخاف أن يعجز يوسف عنه أيضا قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً أي متتابعة على عادتكم في الزراعة فَما حَصَدْتُمْ من الزرع في كل سنة فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ أي كوافره ولا تدوسوه لئلا يقع


الصفحة التالية
Icon