كِتابٌ مَعْلُومٌ (٤) أي أجل مؤقت لهلاكها مكتوب في اللوح المحفوظ لا يغفل عنه ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ من الأمم المهلكة وغيرهم أَجَلَها المكتوب في كتابها فلا يجيء هلاكها ولا موتها قبل مجيء كتابها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٥) عن أجلها وَقالُوا أي كفار مكة عبد الله بن أمية المخزومي وأصحابه استهزاء للنبي صلّى الله عليه وسلّم: يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ أي القرآن في زعمه إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦) أي إنك لتقول قول المجانين حتى تدعي أن الله تعالى نزل عليك القرآن لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ أي هلا أتيتنا بالملائكة يشهدون بصحة نبوتك ويعضدونك في الإنذار إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧) في مقالتك إنك نبي وإن هذا القرآن من عند الله فأجاب الله تعالى عن قولهم بقوله تعالى: ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ أي فالحق في حق الكفار تنزيل الملائكة بعذاب الاستئصال كما فعل بأمثالهم من الأمم السالفة لا التنزيل بما اقترحوا من أخبارها لهم بصدق الرسول فإن ذلك من باب التنزيل بالوحي الذي لا يكاد يفتح على غير الأنبياء من أفراد كل المؤمنين فكيف على أولئك الكفرة.
وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم «ما ننزل» بنون المتكلم وبكسر الزاي المشددة، «والملائكة» بالنصب. وقرأ شعبة عن عاصم «ما تنزل» ببناء الفعل للمفعول «والملائكة» بالرفع.
والباقون «تنزل الملائكة». وَما كانُوا إِذاً أي إذ نزلت عليهم الملائكة بالعذاب مُنْظَرِينَ (٨) أي مؤخرين ساعة أي ولو نزلنا الملائكة ما أخر عذابهم ونحن لا نريد عذاب الاستئصال بهذه الأمة فلهذا السبب ما أنزلنا الملائكة إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ الذي أنكروا نزوله عليك ونسبوك بذلك إلى الجنون وَإِنَّا لَهُ أي الذكر لَحافِظُونَ (٩) من الشياطين حتى لا يزيدوا فيه ولا ينقصوا منه ولا يغيروا حكمه.
ويقال: وإنا لمحمد لحافظون من الكفار والشياطين وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رسلا مِنْ قَبْلِكَ يا أكرم الرسل فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (١٠) أي في أمم الأولين
وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (١١) أي عادة هؤلاء الجهّال مع الرسل ذلك الاستهزاء كما يفعله هؤلاء الكفرة بك وهذا تسلية لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (١٢) أي مثل ذلك السلك الذي سلكناه في قلوب أولئك المستهزئين برسلهم وبما جاءوا به من الكتاب نسلك الذكر في قلوب كفار مكة. لا يُؤْمِنُونَ بِهِ أي بالذكر. وهذا حال من ضمير نسلكه أو لا محل له من الإعراب تفسير للجملة السابقة. والمراد من هذا السلك هو أنه تعالى يسمعهم هذا القرآن ويخلق في قلوبهم حفظ هذا القرآن ويخلق فيها العلم بمعانيه ومع هذه الأحوال لا يؤمنون به عنادا منهم وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (١٣) أي وقد مضت سيرة الأولين بتكذيب الرسل ومضت سيرة الله فهم بإهلاكه إياهم بعد التكذيب، وهذه الجملة استئناف جيء بها تكملة للتسلية وتهديدا لكفار مكة وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أي كفار مكة الذين اقترحوا نزول الملائكة باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ أي في ذلك


الصفحة التالية
Icon