مخلصين أو لم يكونوا مخلصين لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ أي قدرة أصلا على الإغواء إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (٤٢) ولما أوهم إبليس في كلامه أن له على بعض عباد الله تسلطا بالإغواء بين الله كذبه فيه وذكر أن إغواءه للغاوين ليس بطريق تصرفه بالإغواء بل بطريق اتباعهم له بسوء اختيارهم وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أي لمصير المتبعين أَجْمَعِينَ (٤٣) لَها أي لجهنم سَبْعَةُ أَبْوابٍ أي سبع طبقات ينزلونها بحسب مراتبهم في المتابعة وهي جهنم ثم لظى، ثم الحطمة، ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية لِكُلِّ بابٍ أي دركة مِنْهُمْ أي الأتباع جُزْءٌ أي حزب معين مَقْسُومٌ (٤٤) أي مفرز من غيره ففي الدركة الأولى: أهل التوحيد الذين أدخلوا النار يعذبون بقدر ذنوبهم، ثم يخرجون منها. وفي الثانية: النصارى. وفي الثالثة: اليهود. وفي الرابعة: الصابئون.
وفي الخامسة: المجوس. وفي السادسة: أهل الشرك. وفي السابعة: المنافقون.
والحاصل أن الله تعالى يجزئ أتباع إبليس سبعة أجزاء فيدخل كل جزء منهم دركة من النار والسبب في التجزئة أن مراتب الكفر مختلفة بالغلظ والخفة فصارت مراتب العذاب مختلفة بذلك إِنَّ الْمُتَّقِينَ من الكفر فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٤٥) أي مستقرون فيهما لكل منهم عدة منهما ادْخُلُوها بِسَلامٍ أي ادخلوا الجنة سالمين من كل آفة آمِنِينَ (٤٦) من كل خوف، أي لما ملكوا جنات كثيرة فكلما أرادوا أن ينقلوا من جنة إلى أخرى قيل لهم: ادخلوها بسلام آمنين. وقرئ «ادخلوها» أمرا من الله تعالى للملائكة بإدخالهم في الجنة. وقرأ الحسن «ادخلوها» مبينا للمفعول على صيغة الماضي المزيد فيه. وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ أي عداوة كانت بينهم في الدنيا إِخْواناً حال من ضمير صدورهم أو من فاعل ادخلوها عَلى سُرُرٍ من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت تدور بهم الأسرة حيثما داروا مُتَقابِلِينَ (٤٧) في الزيارة أي إنهم إذا اجتمعوا، ثم أرادوا الانصراف يدور سرير كل واحد منهم به بحيث يصير راكبه مقابلا بوجهه لمن كان عنده وقفاه إلى الجهة التي يسير لها السرير وهذا أبلغ في الإنس والإكرام لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ أي تعب لحصول كل ما يريدونه من غير مزاولة عمل أصلا وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ (٤٨) لأن تمام النعمة بالخلود نَبِّئْ عِبادِي أي أخبر يا أشرف الرسل كل من كان معترفا بعبوديتي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ للعصاة من المؤمنين الرَّحِيمُ (٤٩) بهم وَأَنَّ عَذابِي للعصاة إن عذبت هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (٥٠).
وروي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم مرّ بنفر من أصحابه وهم يضحكون فقال: «أتضحكون والنار بين أيديكم» «١» فنزل قوله تعالى:
نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
وَنَبِّئْهُمْ أي خبر يا سيد

(١) رواه الهيثمي في مجمع الزوائد (١٠: ٣٨٧)، والمتقي الهندي في كنز العمال (٣٩٧٨٤)، بما معناه.


الصفحة التالية
Icon