أبدا، وفي الآية دقيقة أخرى فمعنى قوله تعالى: لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أن كل ما سوى الله محتاج في انقلابه من العدم إلى الوجود ومن الوجود إلى العدم إلى مخصص، ومعنى قوله تعالى: وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أن هذا الاحتياج إلى المرجح حاصل دائما أبدا، لأن الممكن حال بقائه لا يستغني عن المرجح، لأن علة الحاجة هي الإمكان وهو من لوازم الماهية فوجب أن تكون الحاجة حاصلة حال حدوثها وحال بقائها أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (٥٢) أي إنكم بعد ما عرفتم أن إله العالم واحد، وأن كل ما سواه محتاج إليه في وقت حدوثه، وفي وقت دوامه فبعد العلم بهذه الأصول كيف يعقل أن يكون للإنسان رغبة في غير الله أو رهبة من غير الله تعالى وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ أي أيّ شيء يصاحبكم من نعمة أية نعمة كانت فهي من الله فيجب على العاقل أن لا يخاف إلا الله وأن لا يشكر إلا الله ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ كالأسقام فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ (٥٣) أي ترفعون أصواتكم بالاستغاثة في كشفه لا إلى غيره ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ أي إذا فريق كافر وهم أنتم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٥٤) غيره وهذا ضلال كامل لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ أي إن عاقبة تلك التضرعات ما كانت إلا كفران نعمة إزالة المكروه عنهم. وقيل: إن هذه «اللام» لام الأمر الوارد للتهديد، كقوله تعالى: فَتَمَتَّعُوا أي عيشوا في الكفر فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٥٥) عاقبة أمركم وما ينزل بكم من العذاب وَيَجْعَلُونَ أي المشركون لِما لا يَعْلَمُونَ أي للأصنام التي لا يعلم المشركون أنها تضر من حيث عبادتها ولا تنفع نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ من الزرع والأنعام وغيرهما تقربا إليها تَاللَّهِ لَتُسْئَلُنَّ يوم القيامة سؤال توبيخ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (٥٦) أي تكذبون على الله من أنه أمركم بذلك الجعل وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ أي يقول خزاعة وكنانة الملائكة بنات الله سُبْحانَهُ نزه الله ذاته عن نسبة الولد إليه وأمر الله تعالى الخلق بالتعجب من جراءتهم على وصف الملائكة بالأنوثة ثم نسبتها بالولدية إلى الله تعالى وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ (٥٧) ويجعلون لأنفسهم ما يختارون من البنين وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى أي والحال أنه إذا أخبر بولادة الأنثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا أي صار وجهه متغيرا تغير معتم من الحياء من الناس وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨) أي ممتلئ غما وحزنا وغيظا من زوجته فكيف ينسب البنات إليه تعالى! وجملة «وإذا بشر» حال من الواو في «ويجعلون». يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ أي يختفي من قومه مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أي من أجل كراهية الأنثى التي أخبر
بها من حيث كونها لا تكتسب، وكونها يخاف عليها الزنا، وكان الرجل في الجاهلية إذا ظهر آثار الطلق بامرأته اختفى عن القوم إلى أن يعلم ما يولد له فإن كان ذكرا فرح به، وإن كان أنثى حزن ولم يظهر للناس أياما يدبر فيها ماذا يصنع بها، وذلك قوله تعالى:
أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أي أيحفظ ما بشر به من الأنثى مع رضاه بذل نفسه أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أي أم يخفيه في التراب بالوأد فالعرب كانوا مختلفين في قتل البنات فمنهم من يحفر الحفيرة ويدفنها فيها إلى أن تموت، ومنهم من يرميها من شاهق جبل، ومنهم من يغرقها، ومنهم من يذبحها وهم