وقرأ ابن عامر «يلقاه» بضم الياء وفتح اللام، والقاف المشددة أي يعطاه مَنْشُوراً (١٣) أي مفتوحا ويقال له: اقْرَأْ كِتابَكَ.
قال الحسن وقتادة يقرأ ذلك اليوم من لم يكن في الدنيا قارئا. وقال بكر بن عبد الله: يؤتى بالمؤمن يوم القيامة بصحيفته وهو يقرؤها وحسناته في ظهرها يغبطه الناس عليها وسيئاته في جوف صحيفته وهو يقرؤها حتى إذا ظن أنها قد أوبقته قال الله تعالى: اذهب فقد غفرتها لك فيما بيني وبينك فيعظم سروره. كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (١٤) أي محاسبا. قال الحسن: ومن عدل الله في حقك جعلك حسيب نفسك.
وقال السدي: يقول الكافر يومئذ له تعالى: إنك قضيت أنك لست بظلام للعبيد فاجعلني أحاسب نفسي فيقال له: اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً. مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ أي من اهتدى بهداية القرآن وعمل بما في تضاعيفه من الأحكام وانتهى عما نهاه عنه فإنما تعود منفعة اهتدائه إلى نفسه لا تتخطاه إلى من لم يهتد فإن ثواب العمل الصالح مختص بفاعله وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها أي ومن ضل عن الطريقة التي يهديه إليها فإنما وبال ضلاله عليها لا على من لم يباشره وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى أي لا تحمل نفس حاملة للإثم إثم نفس أخرى بطيبة النفس حتى يمكن تخلص النفس الثانية عن إثمها، ولكن يحمل عليها بالقصاص فلا تؤخذ نفس بذنب نفس أخرى فكل أحد مختص بذنب نفسه، وهذا قطع لأطماع الكفار حيث كانوا يزعمون أنهم إن لم يكونوا على الحق فالعقاب على أسلافهم الذين قلدوهم الدين الفاسد وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ قوما بالهلاك حَتَّى نَبْعَثَ إليهم رَسُولًا (١٥) يهديهم إلى الحق ويردعهم عن الضلال ويقيم الحجج، ويمهد الشرائع. وأهل الفترتين بين نوح وإدريس وبين عيسى ومحمد عليهم السلام ثلاثة عشر قسما ستة سعداء وأربعة أشقياء وثلاثة تحت المشيئة. فأما السعداء:
فقسم وحّد الله تعالى بنور وجده في قلبه كقس بن ساعدة فإنه كان إذا سئل هل لهذا العالم إله قال:
البعرة تدل على البعير، وأثر الأقدام يدل على المسير. وقسم وحّد الله تعالى بما تجلى لقلبه من النور الذي لا يقدر على دفعه. وقسم ألقي في نفسه، واطلع من كشفه على منزلة محمد صلّى الله عليه وسلّم فآمن به في عالم الغيب. وقسم اتبع ملة حق ممن تقدمه. وقسم طالع في كتب الأنبياء فعرف شرف محمد صلّى الله عليه وسلّم فآمن به وقسم آمن بنبيه الذي أرسل إليه وأدرك رسالة محمد صلّى الله عليه وسلّم وآمن به فله أجران.
وأما الأشقياء: فقسم عطل بلا نظر بل بتقليد. وقسم عطل بعد ما أثبت بلا استقصاء نظر. وقسم أشرك عن تقليد محض. وقسم علم الحق وعانده. وأما الذي تحت المشيئة: فقسم عطل فلم يقر بوجود الإله عن نظر ناقص لضعف في طبائعه. وقسم أشرك عن نظر أخطأ فيه. وقسم عطل بعد ما أثبت بغير نظر قوي. ونقل عن السيوطي أن أبوي النبي صلّى الله عليه وسلّم لم تبلغهما الدعوة والله تعالى يقول:


الصفحة التالية
Icon