لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (١٤) أي والله لئن عبدنا غيره لقد قلنا حينئذ قولا زورا على الله. قال أصحاب الكهف عند خروجهم من عند الملك دقيانوس الكافر: هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا أي عبدوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً ف «قومنا» عطف بيان لاسم الإشارة أو خبر له و «اتخذوا» حال منه. لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ أي هلا يأتون على عبادتهم بحجة ظاهرة، وهذا إنكار وتعجيز وتبكيت لهم فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً (١٥) أي فليس أحد أظلم ممن افترى على الله.
كذبا بنسبة الشريك إليه تعالى فإن الحكم بثبوت الشيء مع عدم الدليل عليه ظلم وافتراء على الله وهذا من أعظم الدلائل على فساد القول بالتقليد. قال بعض الفتية لبعض وقت اعتزالهم: وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ أي وإذ أردتم اعتزالهم واعتزال الشيء الذي تعبدونه إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ أي التجئوا إليه وهذا جواب إذ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ أي يبسطها عليكم في الدارين وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (١٦) أي ويسهل لكم من أمركم الذي أنتم عليه من الفرار بالدين ما تنتفعون به غدا. وقرأ نافع وابن عامر وعاصم في رواية مرفقا بفتح الميم وكسر الفاء والجمهور بالعكس. وَتَرَى الشَّمْسَ خطاب لكل أحد بيان لحالهم بعد ما صاروا إلى الكهف وهذا ليس إخبارا بوقوع الرؤية تحقيقا بل الأخبار بكون الكهف بحيث لو أبصرته تبصر الشمس إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ.
قرأ ابن عامر «تزور» ساكنة الزاي مشدد الراء. ونافع وابن كثير وأبو عمر «تزاور» بتشديد الزاي وبالألف. وعاصم وحمزة والكسائي «تزاور» بالتخفيف والألف أي تميل، عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ أي جانب الكهف الذي يلي المغرب فلا يقع عليهم شعاع الشمس. وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ أي تعدل عن سمت رؤوسهم إلى جهة الشمال الذي يلي المشرق فإن الله منع ضوء الشمس من الوقوع عليهم وذلك خارق للعادة وكرامة عظيمة خصّ الله بها أصحاب الكهف. وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ أي والحال أنهم في فضاء متسع من الكهف معرض لإصابة الشمس ذلِكَ أي المذكور من إنامتهم وحمايتهم من إصابة الشمس لهم في ذلك الغار تلك المدة الطويلة مِنْ آياتِ اللَّهِ العجيبة على كمال علمه وقدرته وعلى وحدته مَنْ يَهْدِ اللَّهُ إلى الحق بالتوفيق له فَهُوَ الْمُهْتَدِ أي الذي أصاب الفلاح مثل أصحاب الكهف وَمَنْ يُضْلِلْ الله فَلَنْ تَجِدَ لَهُ أبدا وَلِيًّا مُرْشِداً (١٧) أي ناصرا يهديه إلى الفلاح كدقيانوس الكافر وأصحابه.
وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً أي لو رأيتهم أيها الخاطب لانفتاح عيونهم على هيئة الناظر وَهُمْ رُقُودٌ أي نيام وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ لينال النسيم جميع أبدانهم ولئلا يتأثر ما يلي الأرض منها بطول المكث، فالله قادر على حفظهم من غير تقليب ولكن جعل لكل شيء سببا في أغلب الأحوال وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ أي بموضع الباب من الكهف وكان الكلب أنمر، أو أصفر، أو أصهب، أو أحمر، أو أسمر. واسمه: قطمير أو ريان، أو تتوه، أو قطمور، أو ثور، أو


الصفحة التالية
Icon