الساحل يطلبان السفينة، وأما يوشع فقد صرفه موسى إلى بني إسرائيل أو كان معهما وإنما لم يذكر في الآية لأنه تابع لموسى فاكتفى بذكر المتبوع عن التابع. فالمقصود ذكر موسى والخضر حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها أي ثقبها الخضر. وعن أبي بن كعب عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «مرت بهم سفينة فكلموا أهلها أن يحملوهم فعرفوا الخضر بعلامة فحملوهم بغير نول فلما لجوا- أي وصلوا- إلى الماء الغزير أخذ الخضر فأسا وأخرج بها لوحا من السفينة»
. قالَ له موسى: أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها أي لتغرق أنت أهل هذه السفينة، وقرأ حمزة والكسائي «ليغرق أهلها» بالياء المفتوحة وفتح الراء ورفع «أهلها». لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (٧١) أي لقد فعلت شيئا عظيما شديدا على القوم.
روي أن الماء لم يدخل السفينة. وروي أن موسى لما رأى ذلك أخذ ثوبه فحشى به الخرق قالَ له الخضر: أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٢) قالَ موسى لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ أي بما تركت من وصيتك أول مرة أو هذا من التورية وإيهام خلاف المراد فيتقي موسى بها الكذب مع التوصل إلى الغرض وهو بسط عذره في الإنكار، فالمراد بما نسيه شيء آخر غير الوصية لكنه أوهم أنها المنسية وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً (٧٣) أي لا تكلفني مشقة في أمر صحبتي إياك فقبل الخضر عذر موسى فخرجا من السفينة فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً بين قريتين لم يبلغ الحنث يلعب مع عشر صبيان كان وضيء الوجه اسمه «خيشور» فأخذه الخضر فَقَتَلَهُ بذبحه مضطجعا بالسكين أو بفتل عنقه قالَ له موسى: أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً أي بريئة من الذنوب بِغَيْرِ نَفْسٍ أي بغير قتل نفس محرمة.
وقرأ نافع وابن كثيرون وأبو عمرو بألف بعد الزاي وبتخفيف الياء، والباقون بالتشديد وبدون ألف. لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (٧٤) أي لقد فعلت فعلا منكرا قالَ الخضر أَلَمْ أَقُلْ لَكَ يا موسى زاد الخضر لك هنا تقريعا لموسى وتحاملا في الخطأ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٥) قيل: إن يوشع كان يقول لموسى يا نبي الله اذكر العهد الذي أنت عليه قالَ موسى:
إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها أي بعد هذه المرة فَلا تُصاحِبْنِي أي لا تجعلني صاحبك. وقرئ لا تصحبني بضم التاء وسكون الصاد قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (٧٦) أي قد وجدت من قبلي عذرا حيث خالفتك ثلاث مرات، قرأ نافع وأبو بكر عن عاصم في بعض الروايات بتخفيف النون وضم الدال، وفي بعض الروايات عن عاصم بضم اللام وسكون الدال.
روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «رحم الله أخي موسى استحيا فقال ذلك ولو لبث مع صاحبه لأبصر أعجب الأعاجيب»
فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ بعد الغروب في ليلة باردة ممطرة وهي أنطاكية أو أبرقة اسْتَطْعَما أَهْلَها أي طلبا من أهلها الخبز على سبيل الضيافة فإقدام الجائع على الاستطعام أمر مباح في كل الشرائع بل ربما وجب ذلك عند خوف الضرر الشديد.


الصفحة التالية
Icon