وتهذيبا فإن البلاء للأولياء كاللهب للذهب كما
قال صلّى الله عليه وسلّم: «إن أشد الناس بلاء: الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل»
«١».
وقال صلّى الله عليه وسلّم: «يبتلى الرجل على قدر دينه»
«٢». أي وذلك لأن الله غيور على قلوب خواص عباده المحبوبين فإذا حصلت مساكنة بعضهم إلى بعض أجرى الله تعالى ما يرد كل واحد منهم عن صاحبه، ويرده إلى حضرته،
وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما قيل له: أيّ الناس أحب إليك؟ قال:
«عائشة» فساكنها «٣» وقال: «يا عائشة حبك في قلبي كالعقدة»
وفي بعض الأخبار أن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله إني أحبك وأحب قربك اه. فأجرى الله تعالى حديث أهل الإفك حتى رد الله رسوله عن عائشة إلى الله تعالى بانحلال عقدة حبها عن قلبه، ورد عائشة عنه صلّى الله عليه وسلّم إلى الله تعالى حتى قالت لما ظهرت براءة ساحتها: بحمد الله لا بحمدك.
وقصة الإفك:
إن عائشة قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج اسمها خرج بها معه، فأقرع بيننا في غزوة قبل غزوة بني المصطلق، فخرج فيها اسمي، فخرجت معه صلّى الله عليه وسلّم وذلك بعد نزول آية الحجاب، فحملت في هودج، فسرنا حتى إذا رجعنا وقربنا من المدينة نزلنا منزلا ثم نودي بالرحيل، فقمت ومشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي، فلمست صدري فإذا عقدي من جزع أظفار قد انقطع، فرجعت والتمسته، وحبسني طلبه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي، فحملوا هودجي، فظنوا أني في الهودج، وذهبوا بالبعير، ووجدت عقدي فلما رجعت لم أجد في المكان أحدا فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمي من وراء الجيش فلما رآني عرفني، فاستيقظت باسترجاعه فخمرت، وجهي بجلبابي وو الله ما تكلمنا بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، فنزل حتى أناخ راحلته فوطئ على يدها، فقمت إليها، فركبتها، ثم قاد البعير حتى أتينا الجيش فتفقّدني الناس حين نزلوا وماجوا في ذكري فبينا الناس كذلك إذ هجمت عليها فخاض الناس في حديثي، والذي بدأ بالإفك وأذاعه بين الناس عبد الله بن أبيّ فقدمنا المدينة، فلحقني وجع ولم أر من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اللطف الذي كنت أعرفه منه حين أشتكي، إنما يدخل فيسلم، ثم يقول: «كيف تيكم؟» ثم ينصرف فلا أشعر بما جرى من الإفك حتى نقهت، فخرجت في بعض الليالي مع أم مسطح جهة المناصع، وكان متبرزنا ثم أقبلت أنا وهي قبل بيتي فعثرت، أم مسطح في مرطها فقالت: تعس مسطح. فقلت لها: بئس ما قلت، أتسبين رجلا شهد بدرا؟! فقالت: أو ما بلغك الخبر؟ فقلت:

(١) رواه أحمد في (م ١/ ص ٨٠).
(٢) رواه أحمد في (م ٦/ ص ١٠٣، ١٩٧)، والمتقي الهندي في كنز العمال (٣٤٣٥٨)، والطبري في التفسير (٨: ٧٣).
(٣) رواه ابن حبيب في مسند الربيع (١: ٦)، بما معناه.


الصفحة التالية
Icon