وقت الجزاء استثقالا للاستعداد له، فإنهم لا يتحملون مشقة النظر، فلهذا لا ينتفعون بما يورد عليهم من الدلائل وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (١١) أي جعلنا نارا عظيمة شديدة الاشتعال معدة لمن كذب بوجود القيامة، إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ أي من مسيرة عام كما قاله الكلبي والسدي سَمِعُوا لَها أي النار تَغَيُّظاً أي صوت غليانها، وَزَفِيراً (١٢) أي صوتا شديدا كصوت الحمار وَإِذا أُلْقُوا مِنْها أي النار مَكاناً ضَيِّقاً.
وقرأه ابن كثير بسكون الياء مُقَرَّنِينَ في السلاسل قرنت أيديهم إلى أعناقهم دَعَوْا هُنالِكَ أي في ذلك المكان ثُبُوراً (١٣) بأن يقولوا: يا ثبور هذا زمانك ويتمنوا موتا.
وقال الكلبي: الأسفلون يرفعهم اللهيب والأعلون يخفضهم الداخلون، فيزدحمون في تلك الأبواب الضيقة. وقال ابن عمر: إن جهنم لتضيق على الكافر كضيق الزج على الرمح.
وتقول لهم: خزنة جهنم لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً أي لا تقتصروا على دعاء ثبور واحد وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً (١٤) فإن ما أنتم فيه من العذاب مستوجب لتكرير الدعاء في كل آن لغاية شدته وطول مدته قُلْ لهم تحسيرا على ما فاتهم: أَذلِكَ السعير التي هيئت لمن كذب بوجود القيامة خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ التي لا ينقطع نعيمها الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ أي التي وعدها من يجتنبون الكفر. وهذا يحسن في مقام التقريع كما إذا أعطى السيد عبده مالا فأبى واستكبر، فضربه ضربا وجيعا وقال له على سبيل التوبيخ، هذا أحب إليك أم ذاك كانَتْ أي تلك الجنة لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً (١٥) أي مسكنا فما وعد الله به فهو كائن لا بد من وقوعه، فكأنه قد كان، ولأنه كان مكتوبا في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقهم الله بأزمان متطاولة: أن الجنة جزاؤهم ومستقرهم. لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ فكل فريق منهم مشتغل بما فيه من اللذات فلا يلتفتون إلى ما فوق ذلك من المراتب العالية، وفي هذا تنبيه على أن حصول المرادات بأسرها لا يكون إلا في الجنة. خالِدِينَ حال من الهاء في «لهم» فإن من شرط نعيم الجنة أن يكون دائما إذ لو انقطع لكان مخلوطا بنوع من الغم كنعيم الدنيا، ولذلك
قال صلّى الله عليه وسلّم: «من طلب ما لم يخلق أتعب نفسه ولم يرزق» فقيل: وما هو يا رسول الله؟ فقال: «سرور يوم»
كانَ أي ما يشاءونه عَلى رَبِّكَ يا أفضل الخلق وَعْداً مَسْؤُلًا (١٦) أي موعودا مطلوبا لكونه مما يتنافس فيه المتنافسون، فإن المكلفين سألوه بلسان الحال، لأنهم لما تحملوا المشقة الشديدة في طاعته تعالى كان ذلك قائما مقام السؤال وما في «على» من معنى الوجوب لاستحالة الخلف في وعده تعالى، فإن تعلق إرادته تعالى بالوعود متقدم على الوعد الموجب للإنجاز، وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ.
وقرأ ابن كثير وحفص بالياء. والباقون بالنون وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي من غيره، أي ويوم القيامة يحشر الله العابدين لغير الله ومعبوديهم فَيَقُولُ. قرأ ابن عامر بالنون.
والباقون بالياء كأن يخلق في الأصنام الحياة فينطقها أو كأن جوابها بلسان الحال كما ذكره بعضهم