وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ إلخ، فأسر عقبة يوم بدر فقتل صبرا ولم يقتل يومئذ من الأسارى غيره وغير النضر بن الحرث، وأما أبيّ بن خلف فقتله النبي صلّى الله عليه وسلّم بيده، طعنه في أحد، فرجع إلى مكة ومات.
وقال الشعبي: كان عقبة خليل أمية فأسلم عقبة وقال أمية، وجهي من وجهك حرام إن بايعت محمدا فارتد، فأنزل الله تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ وعلم من ذلك أن المراد بفلان أبي أو أمية وَكانَ الشَّيْطانُ أي إبليس لِلْإِنْسانِ أي الكافر خَذُولًا (٢٩) أي مبالغا في ترك النصرة بعد المعاونة، وكان يعد الإنسان في الدنيا بأنه ينفعه في الآخرة وهذا من كلام الله تعالى، فإن آخر كلام الظالم بعد إذ جاءني، فالوقف عليه تام وَقالَ الرَّسُولُ محمد صلّى الله عليه وسلّم شكاية لله مما صنع قومه وفي هذا تخويف لقومه، لأن الأنبياء إذا شكوا إلى الله تعالى قومهم، عجل الله لهم العذاب. وهذا عطف على قوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا. يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (٣٠) أي متروكا بالكلية ولم يؤمنوا به ولم يتأثروا بتخويفه وفي هذا تلويح بأن من حق المؤمن أن يكون كثير التعاهد للقرآن، كيلا يندرج تحت ظاهر النظم الكريم فإنه
روي عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «من تعلّم القرآن وعلّق مصحفه ولم يتعاهده ولم ينظر فيه، جاء يوم القيامة متعلقا به يقول: يا رب، عبدك هذا اتخذني مهجورا اقض بيني وبينه»
«١».
وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ أي كما جعلنا لك أعداء من المشركين يقولون ما يقولون، ويفعلون ما يفعلون جعلنا لكل نبي من الأنبياء الذين هم أصحاب الشريعة والدعوة إليها عدوا من مجرمي قومهم فاصبر كما صبروا، وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً (٣١) أي كفاك مبلغك إلى الكمال ومالك أمرك هاديا لك إلى مصالح الدين والدنيا وناصرا لك على جميع من يعاديك. وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا من أهل مكة كأبي جعل وأصحابه لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً أي هلا أنزل القرآن كله جملة واحدة، كالكتب الثلاثة: التوراة والإنجيل والزبور كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ أي مثل ذلك التنزيل المفرّق نزلناه لنقوي بذلك فؤادك، فإن فيه تيسير الحفظ، وفهم المعاني. وهذا كلام الله ذكره جوابا لهم وردا لهذه الشبهة وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا (٣٢) معطوف على الفعل المقدر الذي تعلق به كذلك، أي كذلك أنزلناه وآتينا بعضه بعد بعض على تؤدة وتمهل في ثلاث وعشرين سنة وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ أي ولا يأتي المشركون إياك يا أشرف الخلق بسؤال عجيب، يريدون به القدح في نبوتك إلا جئناك بالجواب الحق الذي يدفع قولهم، وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (٣٣) بيانا وبأقوى حجة الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أي يحشرون يوم القيامة كائنين على وجوههم يسبحون
(١) رواه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين (٧: ٣١٩)، وأحمد في (م ٥/ ص ١٥٣).