أوديتها، أعد للزناة، وشربة الخمر، وشهّاد الزور، وأكلة الربا، والعاقّين لوالديهم. إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ أي من اتصف بهذه الأمور الثلاثة: يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ، أي لا ينقصون من جزاء أعمالهم، شَيْئاً (٦٠).
وتوقّف الأجر على العمل الصالح هو الغالب، لأنه لا تناط الأحكام إلا بالأعم الأغلب، ولا تناط بالنادر، كمن تاب عن كفره ولم يدخل وقت الصلاة، أو وجد الحيض، فإنه لا يجب عليه العمل قبل وجود سببه وشرطه، فلو مات في ذلك الوقت كان من أهل النجاة، مع أنه لم يصدر عنه عمل صالح، من صلاة وزكاة وصوم، وعلى هذا لا يتوقف الأجر على وجود العمل الصالح.
جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ، حال من المفعول أي وهم غائبون عنها لا يرونها، وإنما آمنوا بها بمجرد الإخبار منه تعالى، أي وعدهم بها وهم في الدنيا، ومن في الدنيا لا يشاهدها. إِنَّهُ تعالى أو إن الشأن، كانَ وَعْدُهُ تعالى، مَأْتِيًّا (٦١)، أي مفعولا منجزا أي الوعد منه تعالى لا بد من وقوعه فهو وإن كان بأمر غائب، فكأنه حاصل مشاهد. لا يَسْمَعُونَ فِيها أي الجنة لَغْواً أي فضول كلام لا فائدة فيه إِلَّا سَلاماً من بعضهم على بعض، أو من الملائكة عليهم. فإن معنى السلام هو الدعاء بالسلامة. فأهل الجنة لا يحتاجون إلى هذا الدعاء لأنهم في دار السلام، فهذا من فضول الحديث لولا ما فيه من فائدة الإكرام. وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها أي طعامهم في الجنة، بُكْرَةً وَعَشِيًّا (٦٢) أي لهم رزق واسع ودائم، فلهم ما يشتهون متى شاءوا، إذ لا ليل فيها، ولا بكرة، ولا عشيّ. وإنما ذكرهما ليرغب كل قوم بما أحبوه، لأنه لا شيء أحب إلى العرب من الغداء والعشاء، فوعدهم بذلك. ولذلك ذكر أساور الذهب، والفضة، ولباس الحرير، التي كانت عادة العجم، والأرائك التي هي الحجال المضروبة على الأسرة وهي كانت من عادة أشراف العرب في اليمن. تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (٦٣) من الكفر أي هذه الجنة التي عظم شأنها، نعطيها من أطاعنا عطاء لا يردّ كالميراث الذي يأخذه الوارث فلا يرجع فيه المورث. وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ.
قيل: احتبس جبريل عن النبي صلّى الله عليه وسلّم حين سألوه في أمر الروح وأصحاب الكهف، وذي القرنين، فقال: «أخبركم غدا»، ولم يقل: إن شاء الله، حتى شق على النبي صلّى الله عليه وسلّم، ثم نزل بعد أيام، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أبطأت علي حتى ساءني، واشتقت إليك» «١». فقال له جبريل: إني كنت أشوق، ولكني عبد مأمور إذا بعثت نزلت، وإذا حبست احتبست، فأنزل الله تعالى: وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ، حكاية قول جبريل أمره الله تعالى أن يقوله لمحمد جوابا لسؤاله بقوله: يا جبريل: «ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا»
«٢» والمعنى وما نتنزل من السماء وقتا غبّ وقت إلّا
(٢) رواه أحمد في (م ١/ ص ٣٥٧)، والحاكم في المستدرك (٢: ٦١١)، والطبري في التفسير