الأحكام والمواعظ أكبوا على تلك الآيات حرصا على استماعها، وأقبلوا على المذكر بها، وهم في إكبابهم عليها سامعون بآذان واعية مبصرون بعيون راعية. لا كالذين يظهرون الحرص الشديد على استماعها، وهم كالصم والعميان، كالمنافقين والكفرة- كأبي جهل والأخنس بن شريق- فالمراد من النفي نفي الحال دون الفعل وهو الخرور كقولك: لا يلقاني زيد مسلما فهو نفي للإسلام لا للقاء وذلك تعريض بما يفعله الكفرة والمنافقون، وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ أي اجعل لنا ما يحصل به سرور أعين من أزواجنا وذرياتنا بأن نراهم صالحين مطيعين لك. وعن محمد بن كعب ليس شيء أقر لعين المؤمن من أن يرى زوجته وأولاده يطيعون الله. وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر وحفص عن عاصم «ذرياتنا» بألف على الجمع. والباقون بغير ألف على الإفراد وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (٧٤) أي يقتدون بنا في أمر الدين بإفاضة العلم وبالتوفيق للعمل أُوْلئِكَ أي المتصفون بتلك الصفات الثمانية يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ أي يثابون أعلى منازلة الجنة بِما صَبَرُوا أي بسبب صبرهم على طاعة الله والفقر والمرازي وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً (٧٥).
قرأ حمزة والكسائي وشعبة «يلقون» بفتح الياء وسكون اللام أي يجدون في الغرفة إكرام الله تعالى لهم بالهدايا وسلامه عليهم بالقول. والباقون بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف أي يجعلهم الله تعالى في الغرفة لاقين ذلك. خالِدِينَ فِيها أي في الغرفة، لا يموتون ولا يخرجون حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (٧٦)، أي حسنت الغرفة من
حيث موضع الاستقرار وموضع الإقامة هي. قُلْ يا أشرف الخلق لأهل مكة: ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ أي أيّ اعتداد يعتد بكم لولا عبادتكم له تعالى فإنكم وسائر البهائم سواء أو لا يبالي بكم ربكم لولا دعاؤه إياكم إلى طاعته، فإن مبالاة الله بشأن عباده حيث خلق السموات والأرض وما بينهما إنما هو ليعرفوا حق المنعم ويطيعوه فيما كلفهم به فَقَدْ كَذَّبْتُمْ بما أخبرتكم به فَسَوْفَ يَكُونُ أي جزاء التكذيب لِزاماً (٧٧) أي ملازما لكم وهو عقاب الآخرة.