استرضاء بعضكم بطرد الفقراء لأجل اتباع الأغنياء. قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ عن مقالتك لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (١١٦) أي من المقتولين كما قتلنا من آمن بك من الغرباء.
وقال الكلبي ومقاتل: أي من المقتولين بالحجارة. وقال الضحاك: أي من المشتومين قالَ نوح عند حصول اليأس من فلاحهم شاكيا إلى الله تعالى: رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (١١٧) في الرسالة وقتلوا من آمن بي من الغرباء فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً أي احكم بيننا بما يستحقه كل واحد منا، وافتح بابا من أبواب عدلك على مستحقيه بأن تنزل العقوبة بهم، وبابا من أبواب فضلك على مستحقيه وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١١٨) مما تعذب به الكافرين، وكان المؤمنين ثمانين أربعين من الرجال وأربعين من النساء فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١١٩) أي حال كونهم في السفينة الموقرة بالناس والحيوان والطير وبما لا بد لهم منه ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ (١٢٠) أي أغرقنا بعد ركوب نوح والمؤمنين على السفينة والباقين على الأرض من قومه
إِنَّ فِي ذلِكَ أي الإنجاء والإهلاك لَآيَةً أي لعبرة لمن بعدهم، وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٢١) أي ما أكثر هؤلاء الذين سمعوا قصتهم من النبي صلّى الله عليه وسلّم مؤمنين، وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٢٢) أي لهو القادر على تعجيل العقوبة لقومك، ولكنه يمهلهم لأنه رحيم ذو حكمة، كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣) أي كذبت قوم هود هودا وسائر الرسل الذين ذكرهم هود، فعاد اسم قبيلة هود سميت باسم أبيها الأعلى، وكان من نسل سام بن نوح. إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ- في النسب- نبيهم هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٢٤) الله، فتفعلون ما تفعلون؟ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٢٥) على الرسالة فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٢٦) فيما أمرتكم به من الإيمان والتوبة وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أي الدعاء إلى التوحيد مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٢٧)، وكان هود تاجرا جميل الصورة، يشبه آدم وعاش من العمر أربعمائة وأربعا وستين سنة أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (١٢٨) أي أتبنون بكل مكان مرتفع علامة تعبثون فيها بمن يمر بكم. وقيل: إنهم كانوا يبنون في الأماكن المرتفعة ليعرف بذلك غناهم تفاخرا وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ أي حيضانا تجمعون فيها ماء المطر، فهي من نوع الصهاريج. وقيل: القصور لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (١٢٩) أي مؤملين أن تخلدوا في الدنيا لإنكاركم البعث فلعل للتجري وهو للتوبيخ، وقيل: للتعليل ويؤيده قراءة عبد الله «كي تخلدون» وقيل: معناها التشبيه ويؤيده ما في مصحف أبيّ «كأنكم تخلدون» وقرئ «كأنكم خالدون». وقرئ بضم التاء مع تخفيف اللام وتشديدها وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (١٣٠) أي إذا أخذتم بالعقوبة على أحد بأن ضربتم أحدا بسوط أو قتلتم بالسيف فعلتم فعل الغاشمين بلا رأفة ولا قصد تأديب، ولا نظر في العاقبة. والحاصل أنهم أحبوا العلو وبقاء العلو والتفرد بالعلو، وكل ذلك ينبه على أن حب الدنيا رأس كل خطيئة وعنوان كل معصية
فَاتَّقُوا اللَّهَ بترك هذه الأفعال وَأَطِيعُونِ (١٣١) فيما أدعوكم إليه فإنه أنفع لكم وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ (١٣٢)، أي واخشوا الذي أعطاكم ما لا خفاء فيه عليكم من أنواع النعم