بعذاب أعظم، لأن عذاب الضّال المضل، يجب أن يكون فوق من يضلّ تبعا لغيره، وليس عذاب من يتجبّر كعذاب المقلّد، وليس عذاب من يورد الشبه في الباطل، كعذاب من يقتدي به مع الغفلة. ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها أي أحقّ بجهنم صِلِيًّا (٧٠) أي دخولا فنبدأ بهم.
وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها أي ما منكم أيها الإنسان أحد إلّا حاضر قرب جهنم، ويمرّ بها المؤمنون، وهي خامدة، وتنهار بعيرهم.
وعن جابر أنه صلّى الله عليه وسلّم سئل فقال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال بعضهم لبعض: أليس قد وعدنا ربنا أن نرد النار؟ فيقال لهم: قد وردتموها وهي خامدة»
«١».
وروي أنه صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يدخل النار أحد شهد بدرا والحديبية» «٢»، فقالت حفصة أليس الله يقول: وإن منكم إلّا واردها؟
فقال صلّى الله عليه وسلّم: «ثم ننجي الذين اتقوا»
أي نبعدهم عن عذاب جهنم.
وقيل: ورود جهنم هو الجواز على الصراط الممدود عليها، وقيل: الورود: الدخول، فالمؤمنون يدخلون النار من غير خوف وضرر ألبتة، بل مع الغبطة والسرور. كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (٧١) أي كان ورودهم إياها أمرا محتوما أوجبه الله تعالى على ذاته. ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا من الكفر والمعاصي، أي نخرجهم منها، فلا يخلدون بعد أن أدخلوا فيها، وإنما دخلوا لهم فيها ليشاهدوا العذاب، ليصير ذلك سببا لمزيد التذاذهم بنعيم الجنة. وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ، بالكفر والمعاصي فِيها أي جهنم جِثِيًّا (٧٢) أي
منهارا بهم. وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ أي المشركين، آياتُنا الناطقة بحسن حال المؤمنين، وسوء حال الكفرة، بَيِّناتٍ أي مرتلات الألفاظ، مبينات المعاني، قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أي مردوا منهم على الكفر، ومرنوا على العناد، وهم: النضر بن الحرث، وأتباعه الفجرة. لِلَّذِينَ آمَنُوا أي لفقراء المؤمنين الذين هم في خشونة عيش، ورثاثة ثياب وضيق منزل، واللام للتبليغ لأنهم شافهوا المؤمنين وخاطبوهم بقولهم: أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أي المؤمنين والكافرين خَيْرٌ مَقاماً أي منزلا. وقرأ ابن كثير بضم الميم وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (٧٣) أي مجلسا أي أنحن أو أنتم.
روي أنهم كانوا يرجلون شعورهم، ويدهنونها، ويتطيبون، ويتزينون بالزينة الفاخرة، ثم يدعون فقراء المؤمنين، ويقولون مفتخرين عليهم: انظروا إلى منازلنا فتروها أحسن من منازلكم، وانظروا إلى مجالسنا عند التحدث ومجلسكم، فترونا نجلس في صدر المجلس، وأنتم في طرفه الحقير. فإذا كنا بهذه المثابة، وأنتم بتلك، فنحن عند الله خير منكم، ولو كنتم على خير لأكرمكم بهذه الأمور، كما أكرمنا بها.
(٢) رواه أحمد (م ٦/ ص ٣٦٢).