يَسْتَطِيعُونَ (٢١١) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ
(٢١٢) أي أن الشياطين لممنوعون عن الاستماع للوحي كيف لا: ونفوسهم خبيثة ظلمانية شريرة غير مستعدة إلا لقبول ما لا خير فيه أصلا من فنون الشرور. قال بعضهم: وهذا إشارة إلى أنه ليس للشياطين استعداد تنزيل القرآن ولا قوة حمله، وسمع فهمه، لأنهم خلقوا من النار والقرآن نور قديم فلا يكون للنار المخلوقة قوة حمل النور القديم ألا ترى أن نار الجحيم كيف تستغيث عند مرور المؤمنين عليها، وتقول: جزيا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي فإذا لم يكن لهم استطاعة على حمل القرآن، ولا قوة على سمعه كيف يمكن لهم تنزيله؟ وإن وجد فيهم السمع الذي هو الإدراك لأنهم حرموا الفهم المؤدي للاستجابة لما دعوا إليه فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ أي فلا تعبد مع الله إلها غيره فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (٢١٣).
قال بعضهم: وهذا يشير إلى أن طلب غير الله من الدنيا والآخرة بتوجه القلب إليه أمارة عذاب الله وهو البعد من الله، فمن يكون أبعد من الله يكون عذابه أشد فكل طالب شيء يكون قريبا إليه بعيدا عما سواه. فطالب الدنيا قريب من الدنيا، بعيد عن الآخرة. وطالب الآخرة قريب من الآخرة بعيد عن الدنيا. ولهذا
قال صلّى الله عليه وسلّم: «حسنات الأبرار سيئات المقربين»
. فالأبرار أهل الجنة، وحسناتهم طلب الجنة والمقربون أهل الله وحسناتهم طلب الله وحده بلا شريك له وهذا الخطاب له صلّى الله عليه وسلّم. والمقصود غيره كما هو شأن الحكيم إذا أراد أن يؤكد الخطاب لأحد وجهه إلى الرؤساء في الظاهر، ولأنه تعالى أراد أن يتبعه ما يليق بذلك، فلهذا أفرده صلّى الله عليه وسلّم بالمخاطبة بقوله تعالى:
وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤) الأقرب منهم فالأقرب.
وروي أنه صلّى الله عليه وسلّم قال: «يا بني عبد المطلب يا بني هاشم، يا بني عبد مناف، افتدوا أنفسكم من النار فإني لا أغني عنكم شيئا»، ثم قال: «يا عائشة بنت أبي بكر، ويا حفصة بنت عمرو، ويا فاطمة بنت محمد، ويا صفية عمة محمد اشترين أنفسكن من النار فإني لا أغني عنكن شيئا» «١». وروى محمد بن إسحاق عن علي رضي الله عنه أنه قال. لما نوزلت على النبي صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية دعاني فقال: «يا علي إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، فاصنع لي صاعا من طعام، واجعل عليه رجل شاة، واملأ لنا عسا من لبن، ثم اجمع بني المطلب حتى أبلغهم ما أمرت به». ففعلت ما أمرني، ثم دعوتهم إليه وهم يومئذ أربعون رجلا فيهم أعمامه: أبو طالب، وحمزة، والعباس، وأبو لهب. فلما اجتمعوا دعاني بالطعام الذي صنعته، فجئت له، فلما وضعته تناول صلّى الله عليه وسلّم جذبة من اللحم فشقها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصحفة، ثم قال: «كلوا باسم الله»، فأكل القوم حتى شبعوا، ثم قال: «اسق القوم». فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا جميعا فلما أراد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يكلمهم بادره أبو لهب فقال: