سحركم محمد صاحبكم! فتفرق القوم، فقال: «يا علي، إن هذا الرجل قد سبق إلى ما سمعت من القول» فتفرق القوم قبل أن أكلمهم فأعد لنا الطعام مثل ما صنعت، ففعلت، ثم جمعتهم، ثم دعاني بالطعام، فقدمته، ففعل كما فعل بالأمس، فأكلوا وشربوا، ثم تكلم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:
«يا بني عبد المطلب، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه فأيّكم يوازرني على أمري ويكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟» فأحجم القوم جميعا عن ذلك الكلام، فقلت: يا رسول الله أنا أكون وزيرك عليه قال: «علي» فأخذ صلّى الله عليه وسلّم برقبتي ثم قال: «إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا وأطيعوا» «١». فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لعلي وتطيع.
وروى أبو يعلى عن الزبير بن العوام أن قريشا جاءته فأنذرهم، فسألوه آيات سليمان في الريح وداود في الجبال وعيسى في إحياء الموتى ونحو ذلك. وأن يسير الجبال ويفجر الأنهار، ويجعل الصخرة ذهبا. فأوحى الله تعالى إليه وهم عنده أخبرهم بأن أعطي ما سألوه ولكن إن أراهم كفروا عوجلوا، فاختار صلّى الله عليه وسلّم الصبر عليهم ليدخلهم الله باب الرحمة. وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢١٥) أي لين جانبك لهم و «من» للتبيين، لأن من اتبع أعم ممن اتبع لدين أو قرابة أو نسب فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢١٦) ولا تبرأ منهم وقل لهم، قولا بالنصح، لعلهم يرجعون إلى قبول الدعوة منك. والمعنى: فبعد إنذار عشيرتك فتواضع لمن آمن منهم، وتبرأ من عمل من خالفك منهم وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٢١٧) أي فوّض أمرك إلى الذي يقهر أعداءك بعزته وينصرك عليهم برحمته.
وقرأ نافع وابن عامر «فتوكل» بالفاء على الإبدال من جواب الشرط. والباقون بالواو على العطف على أنذر الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ
(٢١٨) من نوم أو غيره إلى الصلاة منفردا وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (٢١٩) أي ويرى تصرفك في الصلاة بالقيام والركوع والسجود، والقعود مع المصلين جماعة إذ كنت إماما لهم. ويقال: ويراك منتقلا في أصلاب المؤمنين، وأرحام المؤمنات، من لدن آدم وحواء إلى عبد الله وآمنة، فجميع أصول سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم رجالا ونساء مؤمنون، فلا يدخلهم الشرك ما دام النور المحمدي في الذكر وفي الأنثى. فإذا انتقل منه لمن بعده أمكن أن يعبد غير الله، وآزر ما عبد الأصنام إلا بعد انتقال النور منه لإبراهيم. وأما قبل انتقاله فلم يعبد غير الله إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٢٢٠) فيسمع ما تقوله، ويعلم ما تنويه وتعمله.
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (٢٢١) ؟ أي أهل أخبركم يا كفار مكة على من تنزل الشياطين؟ أي لمّا قال الكفار. لم لا يجوز أن يقال: إن الشياطين تنزل بالقرآن على محمد كما أنهم ينزلون بالكهانة على الكهنة،