وقرأ شعبة بتخفيف الدال. وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ أي على كل من كان منهم خارج المدينة مَطَراً هو طين محرق فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (٥٨) مطرهم قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ على هلاك الكفار وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى أي اصطفاهم الله بالإسلام من السابقين واللاحقين آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (٥٩). وقرأ أبو عمرو وعاصم بالياء التحتية أي أالله الذي ذكرت شؤونه العظيمة خير أم ما يشركون به تعالى من الأصنام-؟ والباقون بالتاء على الخطاب أي أالله خير أم آلهة تشركونها بالله تعالى يا أهل مكة؟
وروي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا قرأها قال: «بل الله خير وأبقى وأجل وأكرم»
«١». أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أي بل من خلقهما وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً أي وأنزل لأجل منفعتكم من السماء نوعا من الماء- هو المطر- فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ أي بساتين ذاتَ بَهْجَةٍ أي حسن يفرح به الناظر؟ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أي ما كان لم مقدرة أن تنبتوا شجر البساتين أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ أي أإله آخر كائن مع الله الذي ذكر بعض شؤونه. وقرئ أإلها مع الله. أي أتعبدون إلها آخر من الله بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (٦٠) أي بل هم قوم عادتهم العدول عن طريق الحق والانحراف عن الاستقامة في كل أمر من الأمور. وقيل: قوم يماثلون بالله غيره
أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً أي بل من جعل الأرض مسكنا فيستقر عليها الإنسان والدواب، وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً أي صيّر أوساطها أنهار جارية ينتفعون بها، وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ أي جبالا ثوابت تمنعها أن تميد بأهلها وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ أي العذب والمالح، حاجِزاً أي برزخا معنويا مانعا الممازجة أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ في إبداع هذه البدائع؟ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٦١) كمال قدرته تعالى وحكمته، واستغنائه عن الشريك. أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ أي بل من يجيب الذي أحوجه مرض، أو فقر، أو نازلة إلى التضرع إلى الله تعالى، وَيَكْشِفُ السُّوءَ، أي يدفع ما يحزن الإنسان مما يطرأ عليه وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ! أي متوارثين سكناها ممن قبلكم فتعمرون الدنيا وتزينونها بأنواع الصنائع والحرف أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ في فعل ذلك؟ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (٦٢).
قرأ أبو عمرو وهشام بالتحتية على الغيبة. والباقون بالخطاب، وعلى كل من القراءتين ف «الذال» مفتوحة مشددة لإدغام التاء فيها، و «ما» مزيدة، و «القلة» كناية عن العدم، أي أنكم ما تتعظون لا كثيرا ولا قليلا. أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ أي بل من يهديكم إلى مقاصدكم في ظلمات الليالي فيهما، أو مشتبهات الطرق فيهما؟ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ! أي قدام المطر.

(١) رواه المتقي الهندي في كنز العمال (٥٨٧١)، وابن سعد في الطبقات (١: ١: ٧٩).


الصفحة التالية
Icon