سحران تعاونا بتصديق كل واحد منهما الآخر. وقرأ الباقون «ساحران» بصيغة اسم الفاعل، أي محمد وموسى ساحران أعان كل منهما صاحبه على سحره. روي أن مشركي مكة بعثوا رهطا إلى يهود المدينة ليسألهم عن شأن محمد صلّى الله عليه وسلّم فسألوهم عنهم فقالوا: إنا نجده في التوراة بصفته فلما رجع الرهط إليهم وأخبروهم بما قالت اليهود قالوا: إن موسى كان ساحرا كما أن محمدا ساحر فقال تعالى في حقهم: أولم يكفروا بما أوتي موسى وَقالُوا أي كفار مكة إِنَّا بِكُلٍّ من التوراة والقرآن أو من محمد وموسى كافِرُونَ (٤٨) غير مصدقين قُلْ لهم تعجيزا لهم وتوبيخا:
فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما، أي إذا لم تؤمنوا بهذين الكتابين وقلتم فيهما ما قلتم فأتوا بكتاب من عند الله هو أوضح في هداية لخلق منهما، أَتَّبِعْهُ أي فإن أتيتم به أتبعه إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٩). أي في قولهم أن التوراة والقرآن سحران مختلفان فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ أي فإن لم يمكنهم أن يأتوا بكتاب أفضل منهما فاعلم أنهم ليس لهم مستند وإنما لهم محض هواهم الفاسد. وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ أي لا أضل منه لأنه أضل من كل ضال، إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥٠) لأنفسهم بالانهماك في اتباع الهوى، والأعراض عن الآيات الهادية إلى الحق،
وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ أي أنزلنا القرآن منجما يتصل بعضه ببعض ليكون ذلك أقرب إلى تنبيه كفار مكة، فإنهم كل يوم يطلعون على فائدة، فيكونون عند ذلك أقرب إلى التذكر أو جعلنا القرآن أنواعا من المعاني من قصص وعبر ونصائح، لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥١) فيؤمنون بما في القرآن. الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ أي من قبل مجيء القرآن هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢) وهم مؤمنو أهل الكتاب وَإِذا يُتْلى، أي القرآن عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ أي القرآن الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ، أي من قبل قراءة القرآن علينا مُسْلِمِينَ (٥٣)، أي مخلصين لله بالتوحيد مؤمنين بمحمد صلّى الله عليه وسلّم أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بإيمانهم بمحمد قبل بعثته وبعد بعثته بِما صَبَرُوا على طعن الكفار وأذاهم متى بينوا صفة محمد صلّى الله عليه وسلّم في كتابهم ودخلوا في دينه.
قال مقاتل: هؤلاء لما آمنوا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم شتمهم المشركون فصفحوا عنهم فلهم أجران:
أجر على الصفح، وأجر على الإيمان. وقال السدي: إن اليهود عابوا عبد الله بن سلام وشتموه وهو يقول: سلام عليكم. وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أي ويدفعون بالطاعة المعصية وبالعفو الأذى، وبالامتناع من المعاصي فإن نفس الامتناع حسنة وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٥٤). وقال سعيد بن جبير: وهم أربعون رجلا قدموا مع جعفر من الحبشة على النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلما رأوا ما بالمسلمين من الخصاصة قالوا له: يا نبي الله، إن لنا أموالا فإن أذنت انصرفنا فجئنا بأموالنا، فواسينا بها المسلمين، فأذن لهم، فانصرفوا، فأتوا بأموالهم، فواسوا بها المسلمين، فنزلت هذه الآيات الثلاث وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أي ما لا ينفع في دين ودنيا أَعْرَضُوا عَنْهُ أي اللغو