قال صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله تعالى خلق ملكا من الملائكة قبل أن يخلق السموات والأرض، وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله مادا بها صوته، ولا يقطعها، ولا يتنفس فيها، ولا يتمّها، فإذا أتمها أمر إسرافيل بالنفخ في الصور، وقامت القيامة تعظيما لله عزّ وجل»
اه.
وينبغي لأهل لا إله إلا الله، أن يحصلوا أربعة أشياء حتى يكونوا من أهل لا إله إلا الله:
التصديق، والتعظيم، والحلاوة، والحرية فمن ليس له التصديق فهو منافق. ومن ليس له التعظيم فهو مبتدع، ومن ليس له الحلاوة فهم مراء، ومن ليس له الحرية فهو فاجر. لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (٨)، فحسن الأسماء لحسن معانيها. وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (٩) إِذْ رَأى ناراً، أي أليس قد أتاك خبر موسى حين رأى نارا.
روي أن موسى عليه السلام استأذن شعيبا في الرجوع إلى والدته، فأذن له، فخرج بأهله وأخذ على غير الطريق، مخافة من ملوك الشام، فلما وافى وادي طوى وهو بالجانب الغربي من الطور، ولد له ابن في الطريق في ليلة شاتية، مثلجة، وكانت ليلة الجمعة، وقد حاد عن الطريق، فقدح عليه السلام النار فلم تنوّر المقدحة شيئا فبينما هو في مزاولة ذلك، إذ رأى نارا من بعيد على يسار الطريق من جانب الطور، فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا في مكانكم أي لا تتبعوني في الذهاب إلى النار، إِنِّي آنَسْتُ ناراً أي أبصرتها إبصارا بينا، لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ، أي لعلّي أجيئكم من النار بشعلة مقتبسة من معظم النار، أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (١٠)، أي عند النار من يدلني على الطريق.
فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ أي فلما أتى النار رأى شجرة خضراء من أسفلها إلى أعلاها، كأنها نار بيضاء، فوقف متعجبا من شدة ضوء تلك النار، وشدة خضرة تلك الشجرة، فلا النار تغيّر خضرتها، ولا كثرة ماء الشجرة تغيّر ضوء النار، فسمع تسبيح الملائكة، ورأى نورا عظيما، ثم رمى موسى بنظره إلى فرعها، فإذا حضرته ساطعة في السماء، وإذا نور بين السماء والأرض له شعاع تكلّ عنه الأبصار، فلما رأى موسى ذلك، وضع يده على عينيه، فنودي يا مُوسى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ أي فلما نودي يا موسى أجاب سريعا فقال: لبيك، من المتكلم؟ إني أسمع صوتك ولا أراك، فأين أنت؟
فقال تعالى: أنا فوقك، ومعك، وأمامك، وخلفك، وأقرب إليك منك فعلم أن ذلك لا ينبغي، ولا يكون إلا من الله فأيقن به وسمع الكلام بكل أجزائه حتى إن كل جارحة منه كانت أذنا، وسمعه من جميع الجهات. فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ أمر عليه الصلاة والسلام بالخلع، لأن الحفوة تواضع لله، وحسن أدب معه تعالى، إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ، أي المبارك طُوىً (١٢)، اسم الوادي، أو اسم بئر قد طويت بالحجر في ذلك الوادي الذي كانت فيه الشجرة.
قال أهل الإشارة: والمراد بخلع النعلين، ترك الالتفات إلى الدنيا والآخرة. كأنه تعالى أمره عليه السلام، بأن يصير مستغرق القلب بالكلية في معرفة الله تعالى، ولا يلتفت بخاطره إلى


الصفحة التالية
Icon