فيعلم مقادير الأرزاق ومقادير الحاجات، ألا ترى أن الملوك يفاوتون في الرزق بين عمالهم بحسب ما يعلمون بأحوالهم فما ظنك بملك الملوك العالم بكل شيء. وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ أي كفار مكة مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها، أي يبوستها؟ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ معترفين بأنه تعالى الموجد للممكنات بأسرها، ثم إنهم يشركون به تعالى بعض مخلوقاته قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ على أن أظهر حجتك عليهم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٦٣) شيئا من الأشياء فلذلك لا يعلمون بمقتضى قولهم، هذا فيشركون به تعالى أخس مخلوقاته ولا يعرفون فساد هذا التناقض، وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ أي إن الدنيا سريعة الزوال، فالاشتغال بلذاتها كاشتغال الصبيان بلهوهم وعبثهم، فإنهم يجتمعون عليه، ويفرحون به ساعة، ثم يتفرقون عنه، فالإعراض عن الحق لهو، والإقبال على الباطل لعب. وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ أي إن الحياة الثانية لهي الحياة الدائمة التي لا موت فيها لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٦٤) أن الحياة المعتبرة هي حياة الآخرة لما آثروا عليها الدنيا فَإِذا رَكِبُوا أي كفار مكة فِي الْفُلْكِ في البحر ولقوا شدة دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ صورة حيث لا يدعون غير الله تعالى بالنجاة، وألقوا الأصنام التي حملوها معهم في البحر وقالوا: يا رب، لعلمهم بأنه لا يكشف الشدائد عنهم إلا الله تعالى فَلَمَّا نَجَّاهُمْ من البحر إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (٦٥) أي عادوا إلى ما كانوا عليه من حب الدّنيا وأشركوا بالله الأوثان لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ من عرض الدنيا وَلِيَتَمَتَّعُوا أي وليتلذذوا بمتاع الدنيا.
وقرأ ورش، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم بكسر اللام وهي إما لام العاقبة والمال، وإما لام الأمر على سبيل التهديد. والباقون بالتسكين فهي لام الأمر فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٦٦) فساد عملهم حين يرون العذاب أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (٦٧)، أي ألم ينظر كفار مكة ولم يشاهدوا أنا جعلنا بلدهم مكة حرما مصونا من النهب. والحال أنه يختلس من حولهم قتلا وسبيا مع كون أهل مكة قليلين قارين في مكان، غير ذي زرع أبعد ظهور الحق بالباطل خاصة من الأديان يصدقون! وبنعمة الله التي أعطاهموها يكفرون! والمعنى: إنكم يا أهل مكة في أخوف ما كنتم دعوتم الله تعالى، وفي آمن ما حصلتهم عليه كفرتم بالله وهذا متناقض، لأن دعائكم في وقت الخوف على سبيل الإخلاص لم يكن إلا لقطعكم بأن النعمة من الله لا غير، وقد اعترفتم بأن تلك النعمة العظيمة من الله، كيف تكفرون بها وقد قطعتم في حال الخوف إنه لا أمن من الأصنام حيث ألقيتموها في البحر كيف آمنتم بها في حال الأمن؟ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ فالله تعالى لا يمكن أن يكون له شريك فمن جعل الشريك لملك مستقل في الملك كان ظالما يستحق العقاب منه، فكيف إذا جعل الشريك لمن لا يمكن أن يكون له شريك؟ ومن كذب صادقا يجوز عليه الكذب كان