أَكْثَرَ النَّاسِ
أي أهل مكة لا يَعْلَمُونَ (٣٠) أن ذلك هو الدين الحق، فيصدون عنه صدودا
مُنِيبِينَ إِلَيْهِ أي أقيموا وجوهكم للدين مقبلين عليه، وَاتَّقُوهُ من مخالفة أمره بل داوموا على العبادة وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١)، أي ولا تشركوا بعد الإيمان وهاهنا وجه آخر وهو أن الله أثبت التوحيد الذي هو خروج عن الإشراك الظاهر بقوله تعالى:
مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وأراد الله إخراج العبد عن الشرك الخفي بقوله تعالى: وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ أي لا تقصدوا بعملكم إلا وجه الله، ولا تطلبوا إلا رضا الله، ثم أبدل الله قوله: مِنَ الْمُشْرِكِينَ قوله تعالى: مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ أي اختلفوا فيما يعبدونه على اختلاف أهوائهم.
وقرأ حمزة والكسائي «فارقوا» بألف، أي تركوا دينهم الذي أمروا به، وَكانُوا شِيَعاً أي وصاروا فرقا فيما يعبدونه، كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٣٢) أي وإذا أصاب كفار مكة شدة دعوا ربهم برفع الشدة مقبلين إليه بالدعاء، ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ أي من الضر رَحْمَةً أي خلاصا إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ أي الكفار بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٣٣) ويقول: تخلصت بسبب اتصال الكوكب الفلاني بفلان وبسبب الصنم الفلاني، لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فاللام للعاقبة فَتَمَتَّعُوا يا أهل مكة: فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٤) عاقبة تمتعكم.
وقرئ بالياء على أن «تمتعوا» فعل ماض وقرئ وليتمتعوا أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (٣٥) أي هل أنزلنا على أهل مكة كتابا، فذلك الكتاب يدل على الأمر الذي بسببه يشركون ف «أم» بمعنى الهمزة فقط عند الكوفيين، وبمعنى بل والهمزة عند البصريين كما هو شأن «أم» المنقطعة. وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً من صحة وسعة فَرِحُوا بِها بطرا لا شكرا، فإن قيل لك: الفرح بالرحمة مأمور به في قوله تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا [يونس: ٥٨]، وهاهنا ذمهم الله على
الفرح بالرحمة، فكيف ذلك؟ قلت: هناك فرحوا برحمة الله من حيث إنها مضافة إلى الله تعالى وهاهنا فرحوا بنفس الرحمة حتى لو كان المطر من غير الله لكان فرحهم به مثل فرحهم بما إذا كان من الله، وهو كما أن الملك لو حطّ عند أمير رغيفا على السماط، أو أمر غلمانه بأن يحطوه عنده، ففرح ذلك الأمير به ولو أعطى الملك فقيرا غير ملتفت إليه رغيفا فرح به، ففرح الأمير بكون ذلك الرغيف من الملك، وفرح الفقير بكون ذلك رغيفا، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ أي شدة ضيق بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ أي بشؤم معاصيهم إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ (٣٦) أي ييأسون من رحمة الله غير صابرين بها.
وقرأ أبو عمرو والكسائي بكسر النون أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ، أي ألم ينظروا ولم يشاهدوا أن الله يوسع الرزق لمن يشاء امتحانا هل يشكر أم يكفر، ويضيقه لمن يشاء اختبارا هل يصبر أم يجزع؟ إِنَّ فِي ذلِكَ أي التوسيع والتضييق لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣٧) فيستدلون بها على كمال القدرة والحكمة. فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ من الصلة والصدقة وسائر