أخطأ طريق الجنة، ومن يكن في الدنيا ذليلا خير من أن يكون شريفا ومن يختر الدنيا على الآخرة تفتنه الدنيا ولم يصب الآخرة، فعجبت الملائكة من حسن منطقه فنام نومة فأعطى الحكمة، فانتبه وهو يتكلم بها أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ف «أن» مفسرة فإن إيتاء الحكمة في معنى القول، فإن شكر الله تعالى أهم الأشياء وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ،
أي ومن يشكر له تعالى فإنما يشكر لنفسه لأن منفعته مقصورة عليها، وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (١٢) أي ومن كفر النعمة فالله غير محتاج إلى شكره حتى يتضرر بكفران الكافر، وهو تعالى في نفسه محمود سواء شكره الناس أو لم يشكروه. وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ ثاران. وقيل: أنعم. وقيل: مشكم. وَهُوَ يَعِظُهُ ويبدأ في الوعظ بالأهم يا بُنَيَّ تصغير محبة.
وقرأ حفص بفتح الياء وسكنها ابن كثير، وكسرها الباقون. لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ قيل: كان ابنه كافرا فلم يزل به حتى أسلم، ومن وقف على تشرك جعل بالله قسما إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣)، لأن الشرك وضع للنفس الشريف، ولأنه وضع العبادة في غير موضعها وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ، أي أمرناه بالبر بهما حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ أي حملته أمه في بطنها تضعف ضعفا فوق ضعف، كلما كبر الولد في بطنها كان أشد عليها وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أي وفطامه في تمام عامين- وهي مدة الرضاع عند الشافعي، ومدة الرضاع عند أبي حنيفة ثلاثون شهرا- أَنِ اشْكُرْ لِي بالطاعة لأني المنعم في الحقيقة وَلِوالِدَيْكَ بالتربية، لأنهما سبب لوجودك.
قال سفيان بن عيينة: من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله تعالى، ومن دعا للوالدين في أدبار الصلوات الخمس فقد شكر للوالدين إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤) أي إلى الرجوع فأجازيك على ما صدر عنك من الشكر والكفر. وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما أي أن خدمتهما واجبة وطاعتهما لازمة ما لم يكن فيها ترك طاعة الله، أما إذا أفضى إليه فلا تطعهما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً، أي صحابا معروفا يرتضيه الشرع وتقتضيه المروءة، وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ بالتوحيد والإخلاص في الطاعة وهو النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه وقيل: هو أبو بكر الصديق، وذلك أنه حين أسلم أتاه عثمان، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف. وقالوا له: قد صدقت هذا الرجل وآمنت به قال: نعم هو صادق فآمنوا، ثم حملهم إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم حتى أسلموا فهؤلاء لهم سابقة الإسلام بإرشاد أبي بكر رضي الله عنه، ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ أي مرجعك أيها الإنسان، ومرجع والديك، ومرجع من أناب فَأُنَبِّئُكُمْ عند رجوعكم بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٥) بأن أجازي كلا منكم بما صدر عنه من الخير والشر.
يا بُنَيَّ، روى أن ابن لقمان قال: يا أبت إن عملت الخطيئة حيث لا يراني أحد كيف يعلمها الله؟ فقال: يا بني إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أي أن الخصلة من الإساءة والإحسان إن تلك مثلا في الصغر كحبة الخردل.