المنافقين أوس بن قيظي، وأبو عرابة بن أوس من بني حارثة يَقُولُونَ للنبي صلّى الله عليه وسلّم: ائذن لنا يا نبي الله بالرجوع إلى المدينة إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ، أي غير
حصينة نخاف عليها سرق السراق وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ أي والحال أن البيوت ليس فيها خلل إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً (١٣) أي ما يريدون بالاستئذان إلا فرار من القتل، وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً (١٤) أي ولو دخل الأحزاب بيوتهم من جميع جوانبها، ثم سألهم الداخلون أو غيرهم الرجعة إلى الكفر لجاءوها.
وقرأ نافع وابن كثير «لأتوها» بقصر الهمزة، أي لفعلوها. والباقون بالمد، أي لأعطوها إجابة لسؤال من سألهم وما أخروا الردة إلا قدر ما يسع السؤال والجواب، أي لأسرعوا الإجابة إلى الشرك طيبة نفوسهم به وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ أي من قبل غزوة الخندق لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ أي منهزمين من المشركين فإن بني حارثة هموا يوم أحد أن يفشلوا مع بني سلمة، فلما نزل فيهم ما نزل عاهدوا الله تعالى أن لا يعودوا لمثل ذلك وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا (١٥) أي وكان ناقض عهد الله مسؤولا يوم القيامة عن نقضه قُلْ يا أشرف الخلق لبني حارثة: لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ لأنه لا بد لكل إنسان من الموت في وقت معين سبق به قضاء الله تعالى وجرى عليه القلم وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (١٦)، أي ولو فررتم من الموت في يومكم مثلا لما دمتم ولما متعتم بعد الفرار إلا تمتيعا قليلا قُلْ يا أكرم الرسل لبني حارثة:
مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً أي من يمنعكم من مراد الله إن أراد بكم عذابا بالقتل أو أراد بكم نجاة من القتل وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٧) أي ليس لكم ولي يشفع لمحبته إياكم ولا نصير يدفع عنكم السوء إذا أتاكم قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا، أي قد علم الله المانعين من الرجوع إلى الخندق والقائلين لأصحابهم المنافقين: قربوا أنفسكم إلينا أي وهم عند هذا القول خارجون من المعسكر، متوجهون نحو المدينة، وكان هؤلاء عبد الله بن أبي، وجد بن قيس، ومعتب بن قشير وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (١٨) أي وهم لا يأتون القتال إلا زمانا قليلا رياء وسمعة، أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ أي بخلاء عليكم بأبدانهم فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ، أي فإذا جاء خوف العدو رأيت المنافقين في الخندق يا أشرف الخلق ينظرون إليك، تدور أعينهم في أحداقهم نظرا كائنا كنظر المغشي عليه من معالجة سكرات الموت، فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ وحيزت الغنائم سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أي غلبوكم بألسنة ذربة، وآذوكم بكلامهم يقولون: نحن الذين قاتلنا وبنا انتصرتم وكسرتم العدو، وقهرتم، ويطالبونكم بالقسم الأوفر من الغنيمة وكانوا من قبل راضين من الغنيمة بالأياب أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أي حرصا على المال، ويقال: إنهم قليلو الخير في الحالتين كثير والشر في الوقتين، أُولئِكَ الموصوفون بما ذكر لَمْ يُؤْمِنُوا بقلوبهم وإن


الصفحة التالية
Icon