أربعين ليلة، إن الله يأمرك أن تسير إلى بني قريظة، فانهض إليهم فإني قد قطعت أوتارهم، وفتحت أبوابهم، وتركتهم في زلزال، وألقيت الرعب في قلوبهم، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مناديا ينادي: إن من كان مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة، فحاصرهم المسلمون خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار فقال لهم: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتنزلون على حكمي فأبوا فقال:
أتنزلون على حكم سعد بن معاذ سيد الأوس فرضوا به» فقال سعد: حكمت فيهم أن تقتل الرجال، وتقسم الأموال، وتسبى الذراري والنساء فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سموات» «١». فحبسهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في دار بنت الحرث من نساء بني النجار، ثم خرج إلى سوق المدينة- الذي هو سوقها اليوم- فخندق فيه خندقا، ثم بعث إليهم، فأتى بهم إليه، وفيهم حيي بن أخطب رئيس بني النضير، وكعب بن أسد رئيس بني قريظة، وكانوا ستمائة، فأمر عليا والزبير بضرب أعناقهم، وطرحهم في ذلك الخندق، فلما فرغ من قتلهم وانقضى شأنهم توفي سعد المذكور بالجرح الذي أصابه في وقعة الأحزاب وحضره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأبو بكر وعمر. قالت عائشة: فو الذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وإني في حجرتي.
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ قال عكرمة كان تحته صلّى الله عليه وسلّم يومئذ تسع نسوة خمس من قريش: عائشة، وحفصة، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وسودة بنت زمعة وأم سلمة بنت أبي أمية ثم صفية بنت حي الخيرية وميمونة بنت الحرث الهلالية وزينب بنت جحش الأسدية، وجويرية بنت الحرث من بني المصطلق. وروي أنهن سألنه صلّى الله عليه وسلّم ثياب الزينة وزيادة النفقة فنزلت هذه الآية: إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا أي التنعم فيها وَزِينَتَها أي زخارفها فَتَعالَيْنَ أي أقبلن بإرادتكن واختياركن لإحدى الخصلتين أُمَتِّعْكُنَّ أي أعطاكن المتعة وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا (٢٨)، أي أخرجكن من البيوت من غير ضرار بعد إعطاء المتعة وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أي تردن طاعة الله وطاعة رسوله وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، أي الجنة فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أي لمن عمل الصالحات منكن أَجْراً عَظِيماً (٢٩) وهو الكبير في الذات، الحسن في الصفات، الباقي في الأوقات.
وروي عن جابر بن عبد الله قال: دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوجد الناس جلوسا ببابه لم يؤذن لأحد منهم، فأذن لأبي بكر فدخل، ثم جاء عمر، فأستأذن، فأذن له، فدخل، فوجد النبي صلّى الله عليه وسلّم جالسا واجما ساكتا وحوله نساؤه قال عمر: فقلت: والله لأقولن شيئا أضحك به النبي صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول صلّى الله عليه وسلّم لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها فضحك النبي صلّى الله عليه وسلّم وقال: «هن حولي كما ترى يسألنني النفقة». فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ