إذن، وعدم الاستئناس للحديث بعد الدخول بالإذن، وسؤال المتاع من وراءه حجاب أطهر للخواطر التي تعرض للرجال في أمر النساء، وَقُلُوبِهِنَّ أي وأطهر للخواطر التي تعرض للنساء في أمر الرجال، أي فإن ذلك أنفى للريبة، وأبعد للتهمة، وأقوى في الحماية. وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً، أي وما صحّ لكم أن تفعلوا في حياته صلّى الله عليه وسلّم ما يكرهه ويتأذى به، كالدخول عليه بغير إذنه، والحديث مع أزواجه، وما صحّ لكم أن تنكحوا أزواجه صلّى الله عليه وسلّم أبدا من بعد فراقه صلّى الله عليه وسلّم بموت أو طلاق سواء، أدخل بها أم لا. ونزلت هذه الآية في رجل من الصحابة قال في نفسه: إذا قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نكحت عائشة، وندم هذا الرجل على ما حدّث به نفسه، فمشى إلى مكة على رجليه، وحمل على عشرة أفراس في سبيل الله، وأعتق رقيقا فكفّر الله عنه. قيل: هذا الرجل هو طلحة بن عبيد الله. إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (٥٣) أي إن إيذاء الرسول بنكاح زوجته أو غيره كان عند الله ذنبا عظيما إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٥٤) أي إن تظهروا شيئا مما لا خير فيه كنكاحهن على ألسنتكم، أو تعزموا على إيذائه صلّى الله عليه وسلّم، أو نكاح أزواجه بعده في قلوبكم فالله يجازيكم على ذلك.
لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ أي لا إثم على نساء النبي صلّى الله عليه وسلّم في عدم الاحتجاب عن محارمهن. وهذا استئناف لبيان من لا يجب الاحتجاب عنهم.
روي أنه لما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأبناء والأقارب: يا رسول الله أو نكلمهن أيضا من وراء الحجاب؟! فنزلت هذه الآية. وَلا نِسائِهِنَّ أي ولا جناح على زوجات النبي في عدم الاحتجاب عن النساء المسلمات، ويجب عليهن الاحتجاب عن النساء الكافرات ما عدا ما يبدو عند المهنة. وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ من العبيد والإماء.
وقيل: من الإيماء خاصة. وقيل: من كان دون البلوغ من العبيد. وَاتَّقِينَ اللَّهَ في كل ما تأتين وما تذرن.
وقال الرازي: واتقين الله عند المماليك. وذلك دليل على أن التكشف لهم مشروط بالسلامة والعلم بعدم المحذور. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (٥٥) فهو شاهد عند اختلاء بعضكم ببعض فخلوتكم مثل ملئكم، فاتقوا شهادة الله، إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، أي إن الله يرحم النبي والملائكة يدعون له صلّى الله عليه وسلّم.
وقرأ ابن عباس وكذا أبو عمرو في رواية «وملائكته» بالرفع عطفا على محل «إن»، واسمها عند الكوفيين، ومبتدأ محذوف الخبر عند البصريين. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٥٦). وهذا دليل على وجوب الصلاة والسلام عند الشافعي، لأن الأمر للوجوب، ولا


الصفحة التالية
Icon