يجبان إلّا في الصلاة، فيجبان في التشهد، وهما قولنا فيه: سلام عليك أيها النبي. وقولنا: اللهم صلّ على محمد، وإنما أمرنا الله بالصلاة عليه صلّى الله عليه وسلّم مع أنه يكفيه صلّى الله عليه وسلّم صلاته تعالى لإظهار تعظيمه صلّى الله عليه وسلّم منا شفقة علينا ليثيبنا عليه كما أن الله تعالى أوجب علينا ذكر نفسه تعالى ولا حاجة له إليه. إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ أي أبعدهم من رحمته فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ بحيث لا يكادون ينالون فيهما شيئا منها. وَأَعَدَّ لَهُمْ مع ذلك عَذاباً مُهِيناً (٥٧) يصيبهم في الآخرة خاصة وإذاية الله تكون بالكفر كإنكار وجوده تعالى ووصفه تعالى بما لا يليق به كقول اليهود: يد الله مغلولة، وإن الله فقير، وعزير ابن الله. وقول النصارى: ثالث ثلاثة، والمسيح ابن الله، وقول المشركين: الملائكة بنات الله والأصنام شركاؤه، وإذاية الرسول كسر رباعيته وشج وجهه يوم أحد، وطعنهم في نكاح صفية، وقولهم له صلّى الله عليه وسلّم: هو شاعر ساحر كاهن مجنون. وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بقول أو فعل بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا أي بغير جناية يستحقون بها الأذية فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً أي زورا وَإِثْماً مُبِيناً (٥٨)، أي ذنبا ظاهرا موجبا للعقاب في الآخرة.
قيل: إن هذه الآية نزلت في منافقين كانوا يؤذون عليا، ويسمونه ما لا خير فيه. وقيل:
نزلت في أهل الإفك في شأن عائشة وصفوان. وقيل: في زناة يتبعون النساء إذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن، فيغمزون المرأة، فإن سكتت اتبعوها، وإن زجرتهم انتهوا عنها، وكانوا لا يتعرضون إلّا للإماء، ولكن ربما يقع منهم التعرض للحرائر أيضا، لأن زي الكل كان واحدا لأنهن، يخرجن في درع وخمار، فشكون ذلك إلى أزواجهن، فذكروا ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فنزلت هذه الآية، ثم نهى الله تعالى الحرائر أن يتشبهن بالإماء بقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ أي يرخين على نحورهن وجيوبهن مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ أي ثيابهن التي يلتحفن بها، ذلِكَ أي تغطي الأبدان أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ أي أحق بأن يعرفن أنهن حرائر، وأنهن مستورات لا يمكن طلب الزنا منهن، لأن من تستر وجهها لا يطمع فيها أن تكشف عورتها، فَلا يُؤْذَيْنَ بالتعرض لهن من جهة من يتعرض للإماء، وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً لما سلف منهن من التفريط رَحِيماً (٥٩) بعباده حيث يراعي مصالحهم لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ عبد الله بن أبيّ وأصحابه عن المكر والخيانة، وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أي شهوة الزنا الذي يؤذي المؤمن باتباع نسائه، وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ بقولهم: غلب محمد وسيخرج من المدينة، وسيؤخذ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ أي لنأمرنك بإخراجهم من المدينة أو بقتالهم، ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها أي لا يساكنون معك في المدينة وتخلو المدينة منهم بالإخراج أو بالموت إِلَّا قَلِيلًا (٦٠) أي إلّا زمانا يسيرا،
مَلْعُونِينَ أي مطرودين من باب الله ومن بابك، وهو نصب على الشتم، ويجوز عند الكسائي والفراء منصوبا ب «أخذوا» الذي هو جواب الشرط، وعلى الوقف ملعونين وقف كاف، أي على غير هذا الإعراب أَيْنَما ثُقِفُوا أي في أي مكان