قلته لكم وأطيعوني بالإيمان، فأخذوه، وقتلوه، وصلبوه، ووطئوه بأرجلهم حتى خرجت أمعاؤه من دبره وألقي في بئر- وهي الرس- وهم أصحاب الرس. قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ أي إنه قتل ثم قيل له بعد القتل: ادخل الجنة إكراما له بدخولها حينئذ كسائر الشهداء. قالَ بعد موته: يا حرف تنبيه يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي أي الذي غفر لي ربي وهو التوحيد، أو بمغفرة ربي لي. ويقال: قيل: ادْخُلِ الْجَنَّةَ عقب قوله: آمَنْتُ إلخ قال في حياته كأنه سمع الرسل أنه من الداخلين الجنة وصدقهم: يا ليت قومي يعلمون كما علمت فيؤمنون كما آمنت بأي شيء غفر لي ربي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧)، فإن الإيمان والعمل الصالح يوجبان الغفران والإكرام.
وحاصل هذه القصة أن عيسى عليه السلام بعث رسولين من الحوارين إلى أهل أنطاكية، فلما قربا إلى المدينة رأيا شيخا يرعى غنيمات له- وهو حبيب بن إسرائيل النجار- فسلما عليه فقال: من أنتما؟ فقالا: رسولا عيسى عليه السلام يدعوكم من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن. فقال:
أمعكما آية؟ قالا: نعم، نشفي المريض، ونبرئ الأكمه والأبرص، بإذن الله تعالى فقال: إن لي ابنا مريضا منذ سنين قالا: فانطلق بنا ننظر حاله، فأتى بهما إلى منزله، فمسحا ابنه، فقام في الوقت بإذن الله تعالى صحيحا، فآمن من حبيب، وفشا الخبر في المدينة وشفى الله تعالى على أيديهما كثيرا من المرضى، وكان لهم ملك اسمه أنطيخا، وكان من ملوك الروم، فانتهى خبرهما إليه فدعا بهما فقال لهما: من أنتما؟ فقالا: رسولا عيسى عليه السلام. وفيم جئتما؟ قالا:
ندعوك من عبادة ما لا يسمع ولا يبصر إلى عبادة من يسمع ويبصر. قال لهما: ألنا إله سوى آلهتنا؟
قالا: نعم، من أوجدك وآلهتك. فقال لهما: قوما حتى أنظر في أمركما، وأمر بحبسهما، وجلد كل واحد منهما مائة جلدة، ثم بعث عيسى عليه السلام رأس الحوارين شمعون لينصرهما، فدخل البلد متنكرا وجعل يعاشر حاشية الملك حتى أنسوا به وأوصلوه خبره إلى الملك فدعاه وأنس به وأكرمه فقال يوما للملك: بلغني أنك حبست رجلين في السجن، وضربتهما حين دعواك إلى غير دينك فهل كلمتهما وسمعت قولهما؟ فقال: لا، فقد حال الغضب بيني وبين ذلك قال: إنا رأيي أيها الملك أن تدعوهما حتى تطّلع على ما عندهما، فدعاهما الملك فقال لهما شمعون: من أرسلكما إلى هاهنا؟ قالا: الله الذي خلق كل شيء، وليس له شريك. فقال: صفاه وأوجزا. قالا: إنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. قال لهما شمعون: وما آيتكما قالا: ما يتمنى الملك. فدعا الملك بغلام مطموس العينين وموضع عينيه كالجبهة فما زالا يدعوان ربهما حتى انشق موضع البصر، فأخذا بندقتين من طين فوضعاهما في حدقتيه فصارتا مقلتين ينظر بهما، فتعجب الملك فقال شمعون له: أيها الملك إن شئت أن تغلبهم فقل للآلهة التي تعبدونها تفعل شيئا من ذلك. قال الملك: لا يخفى عليك أنها لا تبصر، ولا تسمع، ولا تقدر، ولا تعلم. فقال شمعون: فإذا ظهر الحق من جانبهم فآمن الملك وقوم وكفر آخرون، وكانت الغلبة للمكذبين،