من العصير والدبس ونحوهما ف «ما» موصولة عطف على ثمره، ويؤيد هذا قراءة حمزة والكسائي وشعبة بحذف الهاء من «عملته»، فإن حذف العائد من الصلة أحسن من الحذف من غيرها.
وقيل: «ما» نافية، ومحل الجملة نصب على الحالية. والمعنى أن الثمر بخلق الله تعالى لا بفعلهم، أَفَلا يَشْكُرُونَ (٣٥) أي أيتنعمون بهذه النعم فلا يشكرونها فيرجعون عن عبادة غير الله، وفي ذلك استدلال على وحدته تعالى وتعديد للنعم، فالأرض مكان لهم لا بد لهم منها، فهي نعمة، ثم إحياؤها بالنبات نعمة ثانية، فإنها تصير أنزه، ثم إخراج الحب منها نعمة ثالثة، فإن قوتهم يصير في مكانهم، ثم جعل الجنان فيها نعمة رابعة، لأن الأرض تنبت الحب في كل سنة وكل ذلك مفيد إلى بيان إحياء الموتى، فيقول الله تعالى: كما فعلنا في موت الأرض، كذلك نفعل في الأموات في الأرض، فنحييهم ونعطيهم ما لا بد منه في بقاءهم من الأعضاء المحتاج إليها وقواها كالعين والأذن وغير ذلك، ونزيد له ما هو زينة كالعقل الكامل والإدراك الشامل، فكأنه تعالى قال: نحيي الموتى إحياء تاما، كما أحيينا الأرض إحياء تاما. سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ
الْأَزْواجَ كُلَّها
أي تنزيها للذي خلق الأنواع كلها. مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ من نجم وشجر ومعدن وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ من ذكر وأنثى وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (٣٦) ما في أقطار السموات وتخوم الأرضين وغيره تعالى، لم يخلق شيئا وإنما ذكر الله تعالى كون الكل مخلوقا لينزه الله تعالى عن الشريك، فإن المخلوق لا يصلح شريكا للخالق والتوحيد الحقيقي لا يحصل إلّا بالاعتراف بأن لا إله إلّا الله، فلا تشركوا بالله شيئا مما تعلمون، ومما لا تعلمون وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ أي وعلامة عظيمة لأهل مكة على قدرتنا على البعث الليل نزيل عنه النهار الذي هو كالساتر له، فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (٣٧) أي داخلون في الظلام، وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها أي لحد معين ينتهي إليه دورها فتقف في مستقرها، ولا تنتقل عنه ومستقرها هو مكان تحت العرش تسجد فيه كل ليلة عند غروبها، فتستمر ساجدة فيه فيطول الليل، فعند طلوع النهار يؤذن لها في أن تطلع من مطلعها أولا فإذا كان آخر الزمان لا يؤذن لها في الطلوع من المشرق، بل يقال لها: ارجعي من حيث جئت فتطلع من المغرب.
وقرئ «إلى مستقر لها». وعن ابن عباس لا مستقر لها أي لا سكون لها ولا وقوف، فإنها جارية أبدا إلى يوم القيامة. وقرئ «لا مستقر لها» على أن «لا» بمعنى ليس. ذلِكَ أي جري الشمس تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٣٨) أي تدبيره وتسخيره إياها، وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ أي جعلنا له منازل ثمانية وعشرين منزلة في ثمانية وعشرين ليلة من كل شهر، ويستتر ليلتين إن كان الشهر ثلاثين يوما، ويستتر ليلة إن كان الشهر تسعة وعشرين يوما، حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (٣٩) أي حتى يصير في رأى العين كالعذق المقوس اليابس إذا حال عليه الحول، لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ