افْتَرى
(٦١) على الله. فَتَنازَعُوا أي السحرة، أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ، أي تشاوروا ليستقروا على شيء واحد حين سمعوا كلام موسى عليه السلام، وَأَسَرُّوا النَّجْوى (٦٢) من فرعون وملئه، فقالوا في نجواهم: إن غلب علينا موسى آمنا به. ثم قالُوا بطريق العلانية، أي قال السحرة، وقيل:
قال لهم فرعون ومن معه: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ. قرأ ابن كثير وحفص بسكون النون من «إن»، وشدّدها الباقون. وشدّد ابن كثير نون «هذان»، وقرأ عمرو «هذين» بالياء. يُرِيدانِ أي موسى وهارون، أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ، أي أرض مصر، بِسِحْرِهِما الذي أظهراه لكم، وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى (٦٣)، أي يذهبا دينكم، الذي هو أفضل الأديان بإعلاء دينهما. أو يقال: يذهبا بإشراف قومكم بميلهم إليهما لغلبتهما- وهم بنو إسرائيل- فإنهم ذوو علم ومال. فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ.
وقرأ أبو عمرو بفتح الميم، وبوصل الهمزة، أي فأجمعوا أدوات سحركم فلا تتركوا شيئا منها. وقرأ الباقون بكسر الميم، وقطع الهمزة، أي ليكن عزمكم مجمعا عليه لا تختلفوا، ثُمَّ ائْتُوا للقاء موسى وهارون، صَفًّا، أي مصطفين مجتمعين لكي يكون الصف أنظم لأمركم، وأشد لهيبتكم.
قال ابن عباس: كانوا اثنين وسبعين ساحرا مع كل واحد منهم حبل وعصا. وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى (٦٤)، أي وقد فاز بالمطلوب من غلب. ومرادهم بالمطلوب الأجر والتقريب من فرعون على ما وعدهم بذلك. ومرادهم بمن غلب أنفسهم جميعا، أو من غلب منهم حثا لهم على بذل المجهود في المغالبة. قالُوا أي السحرة لموسى: يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (٦٥)، أي اختر إما إلقاءك ما معك قبلنا، وإما القاءنا ما معنا قبلك.
وهذا التخيير حسن أدب منهم، وتواضع لموسى عليه السلام، لأن لين القول مع الخصم إن لم ينفع، لم يضر، بل نفعهم، ولذلك رزقهم الله تعالى الإيمان ببركته. ثم إن موسى عليه السلام، قابل أدبهم بأدب أحسن من أدبهم، حيث بتّ القول بإلقائهم أولا لأنه فهم أن مرادهم الابتداء. قالَ بَلْ أَلْقُوا، أي قال لهم موسى: لا ألقي أنا أولا بل ألقوا أنتم أولا إن كنتم محقين، فألقوا ما معهم من الحبال والعصي، ميلا من هذا الجانب، وميلا من هذا الجانب.
فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أي موسى، مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها حيات تَسْعى (٦٦). «فإذا» ظرفية تطلب متعلقا ينصبها من فعل المفاجأة، وجملة ابتدائية تضاف إليها. أي
ففاجأ موسى إذا حبالهم وعصيهم، مخيلة إلى موسى السعي، كسعي ما يكون حيا من الحيات، من أجل سحرهم، وذلك أنهم كانوا لطخوها بالزئبق، فلما ضربت عليه الشمس، اضطربت واهتزت فخيّل إليه أنها تتحرك فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (٦٧) أي أضمر موسى في قلبه بعض خوف من أن لا يظفر بهم، فيقتلون من آمن به عليه السلام قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (٦٨)، أي الغالب عليهم.