إن أعطيتكم ما سألتم أتعطوني أنتم كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم؟».
قالوا نعم. فقال: «قولوا لا إله إلّا الله» «١». فقاموا وقالوا: أجعل الآلهة إلها واحدا كيف يكفينا إله واحد في حوائجنا كما يقول محمد إن هذا الشيء عجاب
. وقرئ «عجاب» بالتشديد. وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أي انطلق الرؤساء من قريش عتبة بن أبي معيط، وأبو جهل، والعاصي بن وائل، والأسود بن المطلب، والأسود بن عبد يغوث عن مجلس أبي طالب، أَنِ امْشُوا.
وقرأ ابن أبي عبلة بحذف «أن»، أي قال بعضهم لبعض: اذهبوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ أي اثبتوا على عبادة آلهتكم إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ (٦) أي إن نفي آلهتنا لشيء يراد من جهة محمد ليستولي علينا فيحكم في أموالنا وأولادنا بما يريد، أو إن الصبر على عبادة الآلهة شيء يراد أن لا ننفك عنه، ما سَمِعْنا بِهذا أي التوحيد فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ، أي في ملة عيسى عليه السلام- كما قاله ابن عباس ومحمد بن كعب- أو في ملة قريش- كما قاله مجاهد- أي ما سمعناه عن أسلافنا القول بالتوحيد، إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ (٧) أي
ما هذا الذي يقوله محمد إلا اختلاق من عند نفسه، أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا أي أأنزل على محمد القرآن، ونحن رؤساء الناس وأشرافهم، فكيف يعقل أن يختص هو بهذه الدرجة العالية؟! بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ (٨) أي إنكار كفار مكة للقرآن ليس عن علم بل هم في شك منه، وسببه أنهم لم يذوقوا عذابي فإنهم لو ذاقوه لأيقنوا بالقرآن، وآمنوا به وتصديقهم لا ينفعهم حينئذ لأنهم صدقوا مضطرين، أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (٩) ؟ أي بل أعندهم خزائن رحمة ربك من النبوة والكتاب فيعطونهما من شاءوا بمقتضى آرائهم. والمعنى: أن النبوة منصب عظيم عطية من الله تعالى، فالقادر على هبتها يجب أن يكون كامل القدرة عظيم الجود، فلم تتوقف هبته لهذه النعمة على كون الموهوب منه غنيا، أو فقيرا، ولم يختلف ذلك بسبب أن أعداءه يحبونه أو يكرهونه، فهو تعالى الغالب الذي لا يغلب، وهو الوهاب، فله أن يهب كل ما يشاء لمن يشاء، أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما؟ أي بل ألهم ملك هذه العوالم العلوية والسفلية حتى يتحكموا في التدابير الإلهية التي ينفرد بها رب العزة، فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ (١٠) أي إن كان لهم ذلك الملك فليصعدوا في طرق السموات التي يتوصل بها إلى العرش حتى يدبروا أمر العالم وينزلوا الوحي على من يختارون،
جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ (١١)، و «جند» خبر مبتدأ محذوف و «ما» مزيدة للتحقير، أو صفة له، و «هنالك» ظرف ل «مهزوم» و «مهزوم»، وصفة ثانية ل «جند»، و «من الأحزاب» صفة ثالثة ل «جند»، أي هم جند ضعيفون من المتحزبين على رسول الله سيصيرون منهزمين في