خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ
أي نبيا ملكا على بني إسرائيل نافذ الحكم عليهم، فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ أي بالعدل، لأن الأحكام إذا كانت مطابقة للشريعة الحقية الإلهية انتظمت مصالح العالم واتسعت أبواب الخيرات على أحسن الوجوه أما إذا كانت أحكام السلطان القاهر على وفق هواه، ولطلب مصالح دنياه، عظم ضرره على الخلق، فإنه يجعل الرعية فداء لنفسه، وذلك يفضي إلى تخريب العالم، ووقوع الهرج والمرج في الخلق، وذلك يفضي إلى هلاك الملك. وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى أي هوى النفس في الحكومات وغيرها من أمور الدين والدنيا، فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي إن متابعة الهوى توجب الضلال عن سبيل الله، وهو يوجب سوء العذاب، لأن الهوى يدعو إلى الاستغراق في اللذات الجسمانية، وهو يمنع الاشتغال في طلب السعادات الروحانية، إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي عن الإيمان بالله، وعن طاعة الله لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ (٢٦) أي بنسيانهم يوم الحساب، أي بتركهم الإيمان بذلك اليوم وتركهم العمل لذلك اليوم، وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا أي عبثا جزافا بلا أمر ولا نهي. وهذه الآية تدل على كونه تعالى خالقا للأعمال، لأنها حاصلة بين السماء والأرض، فوجب أن يكون الله تعالى خالقا لها. وهذه الآية تدل أيضا على الحشر والنشر والقيامة. وذلك لأنه تعالى خلق الخلق في هذا العالم، فإما أن يقال: إنه تعالى خلقهم لا للانتفاع ولا للإضرار، فهذا باطل، لأن هذه الحالة حاصلة حين كانوا معدومين أو للإضرار، فهذا باطل، لأن ذلك لا يليق بالرحيم الكريم، أو للانتفاع وذلك إما أن يكون في حياة الدنيا أو في حياة الآخرة فإن كان الانتفاع في حياة الدنيا فهو باطل، لأن منافع الدنيا قليلة ومضارها كثيرة وتحمل المضار الكثيرة للمنفعة القليلة، لا يليق بالحكمة، فثبت القول بوجود حياة أخرى بعد الحياة الدنيوية، وذلك هو القول بالحشر والقيامة فثبت بما ذكرنا أنه تعالى ما خلق السماء والأرض، وما بينهما باطلا وإذا لم بكن خلقهما باطلا كان القول بالحشر والنشر، لازما، وكل من أنكر القول بالحشر والنشر كان شاكا في حكمة الله تعالى في خلق السماء والأرض، وهذا هو المراد من قوله تعالى: ذلِكَ أي خلق ما ذكر لا لأجل الأمر والنهي، ولا لأجل الثواب والعقاب ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا بأمر البعث والجزاء فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (٢٧) أي فشدة العذاب للذين كفروا بالبعث بعد الموت بسبب النار المترتبة على ظنهم أن لا بعث ولا حساب، وذلك نفي لحكمة الله تعالى في خلق السماء والأرض وفي أمره تعالى ونهيه، أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أي بل أنجعل المؤمنين المصلحين كالكفرة المفسدين في أقطار الأرض كما يقتضيه عدم البعث والجزاء لاستواء الفريقين في التمتع بالحياة الدنيا، بل الكفرة أوفر حظا منها من المؤمنين لكن ذلك الجعل محال فتعين البعث والجزاء حتما لرفع الأولين إلى أعلى عليين، ورد الآخرين إلى أسفل سافلين. أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (٢٨) أي بل أنجعل أتقياء المؤمنين كعلي بن أبي طالب، وحمزة بن المطلب، وعبيدة بن الحرث