بشق رجل، فجيء به على كرسيه، فوضع في حجره فو الذي نفسي بيده لو قال: إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون»
. قال العلماء: والشق هو الجسد الذي ألقى على كرسيه حين عرض عليه وهي محنته.
وقيل: إن فتنة سليمان أنه ولد له ابن فقالت الشياطين: إن عاش صار مسلطا علينا مثل أبيه فسبيلنا أن نقتله فعلم سليمان ذلك، فأمر السحاب، فحمله، فكان يربيه في
السحاب، فبينما هو مشتغل بمهماته إذ ألقي ذلك الولد ميتا على كرسيه فتنبه على خطئه في أنه لم يتوكل فيه على الله.
وقيل: إنه أصابه مرض شديد فصار يجلس على كرسيه وهو مريض وفتنته هو مرضه، ولشدة المرض ألقاه الله على كرسيه والعرب تقول في الضعيف: إنه لحم على وضم وجسم بلا روح ولما توفي سليمان بعث بختنصر فأخذ الكرسي، فحمله إلى أنطاكية، فأراد أن يصعد عليه ولم يكن له علم كيف يصعد عليه فلما وضع رجله ضرب الأسد رجله، فكسرها، وكان سليمان إذا صعد وضع قدميه جميعا، ومات بختنصر، وحمل الكرسي إلى بيت المقدس فلم يستطع قط ملك أن يجلس عليه، ثُمَّ أَنابَ (٣٤) أي رجع إلى حال الصحة أو تاب من خطئه، قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي أي ما صدر عني من الزلة، وهو ترك الأفضل والأولى لأن حسنات الأبرار سيئات المقربين، وطلب المغفرة دأب الأنبياء والصالحين هضما للنفس وإظهارا للذل والخشوع، وطلبا للترقي في المقامات، وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي أي غيري بحيث لا يقدر أحد على معارضته ليكون معجزة لي، لأن المعجزة أن لا يقدر أحد على معارضتها فكان المراد أقدرني على أشياء لا يقدر عليها غيري ألبتة ليصير اقتداري عليها معجزة تدل على صحة نبوتي ورسالتي. إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٣٥) بالملك والنبوة لمن شئت، فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ أي فذللناها لطاعته إجابة لدعوته تَجْرِي بِأَمْرِهِ إياها رُخاءً أي لينة في أثناء سيرها، أما في أوله فهي عاصفة، حَيْثُ أَصابَ (٣٦) إلى أي موضع قصده وأراده وَالشَّياطِينَ عطف على الريح كُلَّ بَنَّاءٍ يبنون له ما شاء من الأبنية وهو بدل من الشياطين، وَغَوَّاصٍ (٣٧) في قعر البحر فيستخرجون اللؤلؤ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٣٨) أي مسلسلين في أغلال الحديد، وهم المردة من الشياطين الذين لا يبعثهم إلى عمل إلّا انقلبوا، هذا أي الملك عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٩) لكثرته. قال ابن عباس رضي الله عنهما: أعط من شئت وامنع من شئت، أي غير محاسب علي منك وإمساكك أي ليس عليك حرج فيما أعطيت، وفيما أمسكت من الأمر الذي أعطيناكه. وقيل: المعنى هذا أي تسخير الشياطين عطاؤنا فامنن على من شئت من الشياطين فخل سبيلهم من الغل، أو احبس من شئت في الغل من غير أن تحاسب وتأثم بذلك وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا في الآخرة لَزُلْفى أي قربى عظيمة وَحُسْنَ مَآبٍ (٤٠) - وهو الجنة-
وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ بن عيصن بن إسحاق عليه السلام، إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ اسمه معيط بِنُصْبٍ أي بلاء وَعَذابٍ (٤١)، أي وسوسة وإلقاء الخواطر الفاسدة.