أحبائي وأصدقائي، ولأن بعضهم استغرقوا في مشاهدة مواقف الجلال والجمال، وهي مانعة لهم عن الرغبة في الجنة وكلهم راكبون فتساق مراكبهم زُمَراً، أي متفاوتين حسب تفاوت مراتبهم في الفضل وعلو الطبقة حَتَّى إِذا جاؤُها أي الجنة وَفُتِحَتْ أَبْوابُها- «الواو» للحال- أي وقد فتحت أبوابها قبل وصولهم إليها، وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها على باب الجنان: سَلامٌ عَلَيْكُمْ من كل الآفات طِبْتُمْ، أي صلحتم لسكناها، لأنكم نظفتم من دنس المعاصي، وطهرتم من خبث الخطايا، فَادْخُلُوها خالِدِينَ (٧٣) وجواب «إذا» محذوف تقديره: اطمأنوا وسعدوا. وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ في قوله تعالى: لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون. وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ، أي أورثنا الله أرض الجنة بأن وفقنا للإتيان بأعمال أورثت الجنة نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ أي ينزل كل واحد في أي مكان أراده من جنته الواسعة، فهو يتخير في منازل قسمه فلا يختار أحد مكان غيره مع أن في الجنة مقامات معنوية لا يتمانع واردوها، فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٧٤) الجنة. وهذا من كلام الله تعالى وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ أي محدقين بالعرش، أي كما أن دار ثواب المتقين هي الجنة، فكذلك دار ثواب الملائكة هو جوانب العرش وأطرافه، يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ فثوابهم هو عين ذلك التحميد والتسبيح، وأعظم درجات الثواب استغراق قلوب العباد في درجات التنزيه ومنازل التقديس، وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ أي إن الملائكة على مراتب متفاوتة فلكل واحد منهم في درجات المعرفة والطاعة حد محدود لا يتجاوزه وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٧٥)، أي قال الملائكة:
الحمد لله رب العالمين على قضائه بيننا بالحق، وهم ما حمدوه تعالى لأجل ذلك القضاء بل حمدوه تعالى بصفته تعالى الواجبة له، وهي كونه تعالى ربا للعالمين، فإن من حمد المنعم لأجل أن إنعامه وصل إليه فهو في الحقيقة ما حمد المنعم، وإنما حمد الإنعام ويقال: إن هذا من بقية شرح ثواب المؤمنين فيقال: في التقرير كما أن حرفة المتقين في الجنة الاشتغال بهذا التحميد والتمجيد، فكذلك حرفة الملائكة الاشتغال بالتحميد والتسبيح، ثم إن جوانب العرش ملاصقة لجوانب الجنة، فالمؤمنون والملائكة يصيرون متوافقين على الاستغراق في تحميد الله وتمجيده وتسبيحه، فكان ذلك سببا لمزيد التذاذهم. وقال تعالى: وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ أي بين البشر بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ أي إنهم يقدمون التسبيح، فالتسبيح عبارة عن إقرارهم بتنزيه الله تعالى عن كل ما لا يليق به وهو صفات الجلال والتحميد عبارة عن إقرارهم بكونه تعالى موصوفا بصفات الإكرام، ثم إن الله تعالى لم يبين ذلك القائل. والمقصود من هذا الإبهام التنبيه على أن خاتمة كلام العقلاء في الثناء على حضرة ذي الجلال والكبرياء ليس إلّا أن يقولوا الحمد لله رب العالمين.