وَيَقْدِرُ أي يوسعه لمن يشاء ويقتر، إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٢) فيفعل كل ما يفعل على ما ينبغي أن يفعل عليه شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ، أي اختار الله لكم يا أمة محمد من الدين ما وصى به نوحا ومحمدا، وإبراهيم وموسى وعيسى، فهم أكابر الأنبياء وأصحاب الشرائع العظيمة، و «أن» تفسيرية بمعنى أي، أو مصدرية في محل نصب بدل من الموصول، أو في محل جر بدل من «الدين»، أو في محل رفع خبر مبتدأ مضمر تقديره هو أن أقيموا دين الإسلام، وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ أي لا تختلفوا في أصل الدين الذي لا تختلف فيه الشرائع وهو التوحيد والصلاة، والصيام والحج، والتقرب إلى الله بصالح العمل، والصدق والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وتحريم الكفر، والقتل والزنا والإذاية للخلق، والاعتداء على الحيوان، واقتحام الدنا آت، وما يعود بخرم المروعات، فهذا كله لم يختلف على ألسنة الأنبياء، كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ أي شق عليهم ما تدعوهم إليه من إقامة دين الله تعالى، اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ أي الله يقرب إلى ما تدعوهم إليه من يشاء وهو من ولد في الإسلام ويميت عليه وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣) أي ويرشد إليه من يميل إليه من أهل الكفر، وَما تَفَرَّقُوا أي المشركون في الدين الذي دعوا إليه، إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بحقيقته بَغْياً بَيْنَهُمْ أي حسدا منهم، وطلبا للرئاسة، فصار ذلك سببا لوقوع الاختلاف وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ، أي ولولا عدة ثبتت في الأزل من ربك بتأخير عذاب هذه الأمة إلى وقت معلوم- وهو يوم القيامة- لأوقع القضاء بينهم من هلاكهم بالاستئصال في الدنيا، وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١٤) أي وإن أهل الكتاب من اليهود والنصارى كانوا في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذين أعطوا كتابهم، الذي هو التوراة والإنجيل من بعد المختلفين في الحق لفي الشك من كتابهم موقع في قلق النفس، لا يؤمنون به حق الإيمان، فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ أي فلأجل ما حدث من الاختلافات الكثيرة في الدين، فادع الناس كافة إلى الاتفاق على الملّة الإسلامية، واستقم عليها وعلى الدعوة إليها كما أمرك الله تعالى ولا تتبع أهواءهم المختلفة الباطلة، وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ أي وقل يا أكرم الرسل: آمنت بما أنزل الله على الأنبياء من كتاب صح أن الله أنزله، وهو الإيمان بجميع الكتب المنزلة، لأن المتفرقين آمنوا ببعض منها وكفروا ببعض، وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ أي وأمرت بأن أعدل بينكم في الحكم إذا تخاصمتم فتحاكمتم إلي، وأسوي بين أكابركم وأصاغركم فيما يتعلق بحكم الله تعالى، اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٥) أي إن إله الكل واحد وكل واحد مخصوص بعمل نفسه، لا خصومة بيننا وبينكم في الدين، لأن الحق قد ظهر ولم يبق للمخاصمة مجال، ولا
للمخالفة محل سوى العناد، وبعده لا جدال، فإن الله يجمع