الصفة-: أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ أي المشركين فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (٤٥)، أي دائم- وهذا من كلام الله تصديقا للمؤمنين، أو من تمام كلامهم- وَما كانَ لَهُمْ أي المشركين مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ برفع العذاب عنهم مِنْ دُونِ اللَّهِ حسبما كانوا يرجون ذلك في الدنيا، وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ عن دينه فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (٤٦) أي دين اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ إذ دعاكم إلى الإيمان على لسان نبيه، مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ وقوله: مِنَ اللَّهِ إما صلة للأمر أي لا يرده الله بعد ما حكم به وإما صلة ليأتي أي من قبل أن يأتي من الله يوم لا يقدر أحد على رده، ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ ينفع في التخلص من العذاب يَوْمَئِذٍ أي في ذلك اليوم، وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (٤٧) أي لا تقدرون أن تنكروا شيئا مما اقترفتموه من الأعمال، لأنه مدون في صحائف أعمالكم وتشهد عليكم جوارحكم، فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً، أي فإن لم يقبل هؤلاء هذا الأمر فإنا لم نرسلك لتقهرهم على امتثال ما أرسلناك به، إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ لما أرسلناك به وقد فعلت، وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً أي نعمة من الصحة والغنى والأمن، فَرِحَ بِها وأعجب بها غير شاكر لها، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ أي بلاء من مرض وفقر وخوف بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ أي بما عملوه من المعاصي فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ (٤٨) أي فيظهر منه الكفر ونسيان النعمة، وذكر البلية من غير تأمل لسببها لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فيتصرف فيهما وما فيهما كيفما يشاء ويقسم النعمة والبلية حسبما يريده، يَخْلُقُ ما يَشاءُ كيف يشاء يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً من الأولاد وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ (٤٩) منهم، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً أي يخلطهم ذكرانا وإناثا، وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً أي بلا ولد، إِنَّهُ عَلِيمٌ بما خلق قَدِيرٌ (٥٠) على ما يشاء أن يخلقه
وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ، أي وما صح لفرد من أفراد البشر أن يكلمه الله إلّا على أحد ثلاثة أوجه: إما أن الله يلهمه في قلبه لا بواسطة شخص آخر ولا بسمع عين كلام الله كما في أم موسى، وكما في رؤية إبراهيم عليه السلام في المنام بذبح ولده. وإما أن الله يوصل إليه الوحي لا بواسطة شخص آخر ولكنه يسمع عين كلام الله من غير رؤية ذاته تعالى، كما وقع لموسى عليه السلام. وإما أن الله يوصل إليه الوحي بواسطة شخص آخر وهو جبريل. وهذا هو الّذي يجري بينه وبين الأنبياء في أكثر الأوقات من الكلام.
روي أن اليهود قالت للنبي صلّى الله عليه وسلّم: ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبيا كما كلمه موسى ونظر إليه فإنا لن نؤمن حتى تفعل فقال صلّى الله عليه وسلّم: «لم ينظر موسى إلى الله تعالى» فنزلت هذه الآية.
وقرأ نافع برفع «يرسل» بإضمار المبتدأ أي، أو هو يرسل، أو بالعطف على ما يتعلق به من وراء إذ التقدير، أو بسمع من وراء حجاب و «وحيا» في موضع الحال عطف عليه ذلك المقدر المعطوف عليه أو يرسل، والتقدير: إلا موحيا أو مسمعا من وراء حجاب أو مرسل رسول، وكذلك «فيوحي»