سورة الزخرف
مكية، تسع وثمانون آية، ثمانمائة وثلاث وثلاثون كلمة، ثلاثة آلاف وأربعمائة حرف
حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) أي والكتاب المبين لطريق الهدى من طريق الضلالة، الموضح لكل ما يحتاج إليه في أبواب الديانة. إِنَّا جَعَلْناهُ أي إنا صيّرنا الكتاب قُرْآناً عَرَبِيًّا أي بلغة العرب، لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٣) أي لكي تفهموه وتعرفوا حق النعمة في ذلك، وَإِنَّهُ أي الكتاب فِي أُمِّ الْكِتابِ أي مثبت في أصل الكتب السماوية، وهو اللوح المحفوظ، وقرأ حمزة والكسائي بكسر همزة «أم الكتاب». لَدَيْنا أي محفوظ عندنا من التغيير لَعَلِيٌّ أي رفيع الشأن حَكِيمٌ (٤) أي محكم في أبواب البلاغة والفصاحة أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أي أنترككم فنبعد عنكم المواعظ إبعادا، وهذا استفهام على سبيل الإنكار أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ (٥)، وقرأ حمزة والكسائي ونافع بكسر الهمزة على أنها شرطية لقصد تجهيل المخاطب، والباقون بالفتح على التعليل أي إنا لا نترك هذا الإنذار بسبب كونكم منهمكين في الإسراف، وهذا الكلام يحتمل الرحمة والمبالغة في التغليظ، فالمعنى على الأول: إنا لا نترككم مع سوء اختياركم، بل نذكركم إلى أن ترجعوا إلى الطريق الحق، وعلى الثاني أتظنون أن تتركوا مع ما تريدون؟ كلا، بل نلزمكم العمل وندعوكم إلى الدين ونؤاخذكم متى أخللتم بالواجب وأقدمتم على القبيح.
قال قتادة: لو أن هذا القرآن رفع حين رده أوائل هذه الأمة لهلكوا، ولكن الله برحمته كرره عليهم ودعاهم إليه عشرين سنة، وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ قبلك يا أكرم الرسل فِي الْأَوَّلِينَ (٦) أي في الأمم الماضية وَما يَأْتِيهِمْ أي والحال أنه ما يأتي الأولين يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٧) أي أن عادة الأمم مع الأنبياء الذين يدعونهم إلى الدين الحق هو التكذيب، فلا ينبغي أن تتأذى من قومك بسبب إقدامهم على التكذيب لأن المصيبة إذا عمّت خفت، فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً أي فتسبب عن الاستهزاء بالرسل أنّا أهلكنا أشد قوة من أهل مكة الذين يستهزئون بك، وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (٨) أي سبق في القرآن مرارا ذكر صفة الأولين في