روي أن الكافر إذا بعث يوم القيامة من قبره أخذ شيطانه بيده فلم يفارقه حتى يصيرهما الله إلى النار وقرئ «يقيض» بالياء، والفاعل يعود إلى الرحمن ومن قرأ «يعشو» فحقه أن يرفع «يقيض» وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ أي وأن الشياطين ليصرفون قرناءهم عن سبيل الحق، وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) أي والحال أن الكفار المعرضين عن القرآن يعتقدون أنهم على هدى حَتَّى إِذا جاءَنا أي جاءنا كل واحد من العاشين مع قرينه الشيطان يوم القيامة في سلسلة واحدة وقرأ نافع، وابن عامر، وأبو بكر، «جاءانا» على صيغة التثنية أي جاءنا العاشي والشيطان.
قالَ أي العاشي مخاطبا لشيطانه يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ أي ليت حصل بيني وبينك في الدنيا مثل بعد ما بين المشرق والمغرب. فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨) أنت فكثرة المال والجاه توجب كمال النقصان والحرمان في الدين والدنيا فظهر أن قولهم: لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ كلام فاسد، وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩) وفاعل ينفع أما «أنكم» ومدخولها و «إذ ظلمتم» أما بدل من اليوم والمعنى «ولن ينفعكم اليوم» إذ تبين الآن عندكم وعند الناس جميعا أنكم ظلمتم أنفسكم في الدنيا بالإشراك بالله كونكم مشتركين في العذاب، بمعنى لن يحصل لكم التشفي بكون قرنائكم معذبين مثلكم حيث كنتم تدعون عليهم بقولكم: رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً [الأحزاب: ٦٨]، وأما مضمر يعود إلى التمني و «إذ ظلمتم» تعليل لنفي النفع وكذلك «أنكم» بفتح الهمزة ويؤيد هذا الاحتمال قراءة ابن عامر في رواية إنكم بكسر الهمزة، والمعنى ولن ينفعكم يوم القيامة تمنيكم لمباعدتهم لأجل ظلمكم أنفسكم في الدنيا باتباعكم إياهم في الكفر والمعاصي لأن حقكم أن تشركوا أنتم وقرناؤكم في العذاب كما كنتم مشتركين في سببه في الدنيا. أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٠) أي أفأنت وحدك من غير إرادتنا تسمع الصم الحق وتهدي من تمرنوا في الضلال إلى الهدى أي انهم بلغوا في النفرة عن دينك إلى حيث إذا أسمعتهم القرآن كانوا كالصم، وإذا أريتهم المعجزات كانوا كالعمين فإن صممهم وعماهم كانا بسبب كونهم في كفر بيّن
فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (٤١) أي فإن قبضناك قبل نزول النقمة بهم فإنّا منتقمون منهم بعد موتك في الدنيا والآخرة، أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (٤٢) أي أو نرينك في حياتك ما وعدناهم من الذل والقتل فلا يعوقنا عائق لأنّا قادرون على عذابهم قبل موتك وبعده، فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ بأن تعتقد أنه حق وبأن تعمل بموجبه، وقرئ أوحي بالبناء للفاعل وهو الله تعالى. إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣) لا يميل عنه إلا ضال في الدين، وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ أي وأن الّذي أوحي إليك لموجب شرفا عظيما لك، ولقريش حيث يقال: إن هذا الكتاب أنزله الله تعالى على رجل متهم، وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (٤٤) هل أديتم شكر أنعامنا عليكم بهذا الذكر الجميل وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ