فإنه مع حقارته ادعى الإلهية فقوله: «من المسرفين» حال من الضمير في عاليا، أو خبر ثان لكان.
وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٢) أي ولقد اخترنا بني إسرائيل على العالمين جميعا عالمين بكونهم مستحقين لأن يختاروا ويرجحوا على غيرهم لكثرة الأنبياء فيهم، ويقال: «ولقد اخترناهم على عالمي زمانهم» مع علمنا بأنهم قد يزيغون في بعض الأوقات، ويصدر عنهم الفرطات «١» في بعض الأحوال وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (٣٣) أي وأعطينا بني إسرائيل ما فيه نعمة ظاهرة من الآيات التي لم يظهر الله مثلها أحد سواهم مثل فلق البحر، وتظليل الغمام، وإنزال المن، والسلوى وغيرها، فإنه تعالى لما كان يبلو بالمحنة فقد يبلو بالنعمة أيضا اختبارا ظاهرا ليتميز الصديق عن الزنديق. إِنَّ هؤُلاءِ أي إن كفار قريش لَيَقُولُونَ (٣٤) إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى أي ما نهاية الأمر إلّا الموتة الأولى المزيلة للحياة الدنيوية وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (٣٥) أي بمحيون بعد الموت فَأْتُوا بِآبائِنا أي فعجلوا لنا- أيها القائلون بأننا نبعث بعد الموت أحياء- من مات من آبائنا بأن تسألوا ربكم ذلك حتى يصير دليلا عندنا على صدق دعواكم في البعث إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٦) فيما تعدونه من قيام الساعة وبعث الموتى ليظهر أنه حق. قال تعالى مقتصرا على الوعيد: أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي قبل قوم «تبع» كمدين، وأصحاب الأيكة، والرس، وثمود، وعاد وسمي تبعا لكثرة تبعه واسمه أسعد بن ملكيكرب وكنيته أبو كرب، وهو نبي كما قاله ابن عباس، أو رجل صالح كما قالته عائشة، وكان قومه كافرين وأراد خراب المدينة فلما أخبر أنها مهاجر نبي اسمه أحمد انصرف عنها وقال شعرا أودعه عند أهلها وكانوا يتوارثونه كابرا عن كابر إلى أن هاجر النبي صلّى الله عليه وسلّم فدفعوه إليه وكان من اليوم الذي مات فيه «تبع» إلى اليوم الّذي بعث فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم ألف سنة لا يزيد ولا ينقص ويقال كان الكتاب والشعر عند أبي أيوب خالد بن زيد وفيه:
شهدت على أحمد أنه... رسول من الله بارى النسم
فلو مد عمري إلى عمره... لكنت وزيرا له وابن عم
أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (٣٧) ف «أهلكناهم» مستأنف لبيان عاقبة أمرهم و «إنهم» تعليل لإهلاكهم أي إن أولئك الكفار أهلكوا بسبب إجرامهم مع أنهم كانوا أقوى من هؤلاء، أفلا يخافون من هلاكهم وهم شركاء لأولئك في الإجرام؟! وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (٣٨) أي لاهين ولو لم يحصل البعث والجزاء لكان
هذا الخلق عبثا لأن الله تعالى خلق نوع الإنسان ثم كلّفهم بالإيمان والطاعة، فاقتضى ذلك أن يتميز المطيع من العاصي فيتعلق فضله