المذكورة آياتُ اللَّهِ أي حججه الدالة على وحدانيته نَتْلُوها أي نقصها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ أي أن صحتها معلومة بالدلائل العقلية وهذا من أعظم الدلائل على الترغيب في تقرير المباحث العقلية فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ (٦) أي إن من لم ينتفع بهذه الآيات فلا شيء بعدها يجوز أن ينتفع به.
وقرأ ابن عامر، وشعبة، والكسائي بتاء الخطاب مناسبة لقوله تعالى: و «في خلقكم» وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أي كذاب أَثِيمٍ (٧) أي مبالغ في اقتراف الآثام وهو النضر بن الحرث يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ أي القرآن تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ أي يقيم على كفره إقامة بقوة مُسْتَكْبِراً عن الإيمان بآيات الله معجبا بما عنده- كان النضر يشتري من أحاديث العجم ويشغل بها الناس عن استماع القرآن- كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها أي حال كونه مثل غير السامع فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٨) على إصراره، واستكباره، وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أي أنه إذا سمع كلاما وعلم أنه من آياتنا بادر إلى الاستهزاء بالآيات كلها ولم يقتصر على الاستهزاء بما سمعه فقط. أُولئِكَ أي كل أفاك أثيم لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٩) أي ذو إهانة مِنْ وَرائِهِمْ أي قدامهم بعد الموت جَهَنَّمُ فإنهم متوجهون إلى ما أعد لهم أو من خلفهم جهنم لأنهم مقبلون على الدنيا معرضون عما أعد لهم وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ أي ولا ينفعهم ما ملكوه في الدنيا، ولا أصنامهم التي عبدوها وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠) إلى أقصى الغايات في كونه ضررا.
هذا أي القرآن هُدىً أي في غاية الكمال في الهداية وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (١١).
وقرأ ابن كثير وحفص بالرفع أي لهم عذاب أليم من تجرع ماء صديد، والباقون بالجر أي لهم عذاب شديد الإيلام. اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ أي بإذنه وأنتم راكبوها فجريان السفن على وجه البحر لا يحصل إلّا بسبب ثلاثة أشياء، أحدها: الرياح التي توافق المراد، وثانيها: الماء، وثالثها: خشبة طافية لا تغوص في الماء، وهذه الثلاثة لا يقدر عليها أحد من البشر فلا بد من موجود قادر عليها وهو الله تعالى، وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ. إما بسبب التجارة، أو بالغوص على اللؤلؤ والمرجان، أو باستخراج اللحم الطري وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢) أي ولكي تشكروا نعمته تعالى وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ أي وسخر الله لكم الشمس، والقمر، والنجوم، والسحاب، والشجر، والدواب، والجبال، والبحار كائنة منه تعالى وحاصلة من عنده، فإنه تعالى موجدها بقدرته وحكمته، ثم مسخرها لخلقه.
وقرأ سلمة بن محارب «منه» على أنه فاعل «سخر» أو على أنه خبر مبتدأ محذوف أي ذلك منه، وقرئ «منه» على أنه مفعول له. إِنَّ فِي ذلِكَ أي فيما ذكر لَآياتٍ كثيرة لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١٣) في بدائع صنع الله تعالى فإنهم يطلعون بذلك على جلائل نعمه تعالى ودقائقها