وقرأ أبو عمرو والكسائي «يرث» في الكلمتين بالجزم على جواب الأمر، والباقون بالرفع على أنه صفة. وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (٦) أي مرضيا عندك قولا وفعلا. قال تعالى بواسطة الملك جبريل: يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ، أي ولد يرث العلم والنبوة في حياتك فإنه قتل قبل موت أبيه اسْمُهُ يَحْيى لإحيائه رحم أمه بعد موته بالعقم. لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧)، أي شريكا له في الاسم حيث لم يكن قبل يحيى أحد يسمّى بيحيى، وقيل: أي شبيها في الفضل والكمال، فإنه لم يعص ولم يهم بمعصية من حال الصغر، وأنه صار سيّد الشهداء على الإطلاق.
قالَ زكريا: رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ أي من أين يكون لي ولد، وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً أي والحال أنه قد صارت امرأتي لم تلد قط، وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨)، أي يبوسا.
وقرأ أبي ابن كعب وابن عباس «عسيا» بالسين غير المعجمة قالَ أي الله تعالى:
كَذلِكَ أي الأمر، ذلك الوعد، من خلق غلام منكما وأنتما على حالكما، قالَ رَبُّكَ هُوَ، أي خلق يحيى منكما على حالتكما، عَلَيَّ خاصة هَيِّنٌ، وإن كان في العادة مستحيلا. وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (٩) أي وقد أوجدتك يا زكريا من قبل يحيى، والحال أنك إذ ذاك عدم بحت.
وقرأ حمزة والكسائي «خلقناك». قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً، أي علامة تدلني على حصول حبل امرأتي قالَ أي الله تعالى: آيَتُكَ على تحقق المسؤول أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ، أي أن لا تقدر على أن تكلم الناس ثَلاثَ لَيالٍ مع أيامهن، سَوِيًّا (١٠)، أي حال كونك سليم الجوارح، لم يحدث بك مرض ولا خرس.
فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ، أي من المصلى، وهم اجتمعوا ينتظرون فتح الباب ليصلّوا فيه بإذنه على العادة، فخرج إليهم للإذن وهو لا يتكلم، متغيرا لونه فأنكروه، فقالوا: ما لك يا نبي الله فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أي أشار إليهم، أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١)، أي صلوا صلاة الفجر، وصلاة العصر.
قال الله تعالى ليحيى بعد ما بلغ: يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ، أي اعمل بما في التوراة بجدّ، وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ أي الفهم في التوراة والفقه في الدين. صَبِيًّا (١٢)، أي في صغره.
وعن بعض السلف من قرأ القرآن قبل أن يبلغ، فهو ممن «أوتي الحكم صبيا». روي أنه عليه السلام دعاه الصبيان إلى اللعب فقال: ما للعب خلقنا. وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً، أي وأعطينا تعظيما من عندنا على يحيى، حيث جعلناه نبيا وهو صغير، وتشريفا له.
ويقال: وأعطينا يحيى رحمة من لدنّا على زكريا وتزكية له، عن أن يصير مردود الدعاء.
ويقال: وأعطينا يحيى تعطفا منا على أمته لعظم انتفاعهم بإرشاده، وتوفيقا للتصدق عليهم، وتطهيرا منا عن الالتفات لغيرنا، وَكانَ تَقِيًّا (١٣). بطبعه، ومن جملة تقواه، أنه كان يتقوّت


الصفحة التالية
Icon