موسى» أي وآتينا من قبل محمد التوراة إِماماً أي قدوة يقتدى به في دين الله تعالى وشرائعه، وَرَحْمَةً من الله تعالى لمن آمن به وعمل بما فيه. وَهذا أي القرآن كِتابٌ مُصَدِّقٌ لكتاب موسى في أن محمدا رسول الله لِساناً عَرَبِيًّا حال من «كتاب». وقيل: مفعول ل «مصدق» على حذف مضاف، أي مصدق ذا لسان عربي، وهو النبي صلّى الله عليه وسلّم، لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أي لينذر ذلك الكتاب مشركي مكة. وقرأ نافع وابن عامر بالتاء لخطاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (١٢) أي المؤمنين بأن لهم الجنة، و «هو» في محل نصب معطوف على محل «لينذر»، لأنه مفعول له، أو في محل رفع معطوف على «مصدق»، أو «كتاب»، ولا يوقف على «ظلموا»، أما إذا جعل مبتدأ وخبره للمحسنين فالوقف على «ظلموا» كاف. إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ وحده ثُمَّ اسْتَقامُوا على أداء فرائض الله تعالى واجتناب معاصيه، فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ من لحوق مكروه وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٣)، من فوات محبوب، أي إن الذين جمعوا بين التوحيد والاستقامة في أمور الدين فهم يوم القيامة آمنون من الأهوال، وزائل عنهم خوف العقاب، أما خوف الجلال والهيبة فلا يزول عن العبد ألبتة، أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤) في الدنيا، وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي «إحسانا»، وهي قراءة ابن عباس أي أمرناه بأن يوصل إليهما إحسانا وهو ضد الإساءة، والباقون «حسنا» بضم فسكون، أي أمرناه بأن يوصل إليهما فعلا حسنا، وهو ضد القبح فعلا ذا حسن.
وقرئ بضم الحاء والسين. وقرأ عيسى والسلمي بفتحهما، نزلت هذه الآية في عبد الرحمن، وفي أبيه وأمه، وهما أبو بكر الصديق وأم رومان. وقالت عائشة. نزلت في خلال بن قلال حَمَلَتْهُ أُمُّهُ في بطنها كُرْهاً أي على مشقة وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً أي في مشقة.
قرأ عاصم وحمزة والكسائي وابن عامر، وابن ذكوان بضم الكاف. والباقون بالفتح وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً أي ومدة حمله ورضاعه ثلاثون شهرا، فإن أقل مدة الحمل ستة أشهر وإن مدة إتمام الرضاع أربعة وعشرون شهرا، ولما كان الرضاع يليه الفصال، لأنه يتم به سمي فصالا حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ. وقرئ «إذا استوى وبلغ أشده». وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. والأصح أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق وأبيه عثمان بن عامر وأمه أم الخير سلمى بنت صخر. وذلك أن أبا بكر صحب النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو ابن ثمان عشرة سنة، والنبي ابن عشرين سنة في تجارة إلى الشام، فلما بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أربعين سنة أكرمه الله تعالى بالنبوة، واختصه بالرسالة، فآمن به أبو بكر الصدّيق وهو ابن ثمان وثلاثين سنة، ثم أسلم أبواه وأسلم ابنه عبد الرحمن، ثم ابنه محمد كلهم أدركوا النبي، ولم يكن أحد من أصحاب رسول الله أسلم هو وأبواه وأولاده وبناته كلهم، إلّا أبو بكر ووالده أبو قحافة، وأمه سلمى بنت صخر، فلما بلغ أبو بكر أربعين سنة دعا به وقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي، أي ألهمني ووفقني أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ بها عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ، وهي نعمة