الشركاء له تعالى، وقرأ ابن عباس «أفكهم» بفتح الهمزة وسكون الفاء، وقرأ عكرمة، والصباح «أفكهم» على صيغة الماضي أي، وذلك الاتخاذ الذي هو ضياع آلهتهم عنهم ثمرته صرفهم عن الحق، وقرأ أبو عياض، وعكرمة أيضا «أفكهم» بتشديد الفاء، وابن الزبير، وابن عباس أيضا «آفكهم» بمد الهمزة أي جعلهم آفكين، وقرأ ابن عباس أيضا «آفكهم» على صيغة اسم الفاعل بمعنى صارفهم وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ أي واذكر لقومك إذ وجهنا إليك جماعة كائنة من جن نصيبين في الجزيرة، وهي بين الشام والعراق يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ أي القرآن عند تلاوته قالُوا أي قال بعضهم لبعض أَنْصِتُوا أي اسكتوا لنسمعه.
روي أن الجن كانت تسترق السمع، فلما حرست السماء، ورجموا بالشهب قالوا: ما هذا إلّا لنبأ حدث، فنهض سبعة من نفر من أشراف جن نصيبين منهم: زوبعة، فسافروا حتى بلغوا تهامة، ثم اندفعوا إلى وادي نخلة فوافوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو قائم في جوف الليل يصلي، فاستمعوا لقراءته وذلك عند رجوعه من الطائف وذلك في السنة الحادية عشرة من النبوة، فَلَمَّا قُضِيَ أي فرغ من تلاوة القرآن، وقرأ أبو مجلز، وأبو حبيب بن عبد الله «قضى» بالبناء للفاعل أي أتم الرسول قراءته، وَلَّوْا أي رجعوا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩). روى محمد بن جرير الطبري عن ابن عباس: أن أولئك الجن كانوا سبعة نفر من أهل نصيبين فجعلهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رسلا إلى قومهم. قالُوا عند رجوعهم إلى قومهم يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أي قرآنا يقرأ أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى. روي عن عطاء، والحسن: إنما قالوا ذلك لأنهم كانوا يهودا، وعن ابن عباس أن الجن ما سمعت أمر عيسى عليه السلام مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ أي لما قبله من كتب الأنبياء يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ من العقائد وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠) أي موصل إلى المقصود وهي الأعمال الصالحة
يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ محمدا صلّى الله عليه وسلّم أو كتابه، وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ أي يغفر الله بعض ذنوبكم، وهو حق الله تعالى، وحق الحربيين، فهو يغفر بمجرد إسلام الظالم ولا يتوقف على الاستحلال من المظلوم الحربي، أما مظالم العباد غير الحربيين فلا تغفر إلّا برضا أصحابها وهذه الآية تدل على أنه صلّى الله عليه وسلّم كان مبعوثا إلى الجن كما كان مبعوثا إلى الإنس.
قال مقاتل: ولم يبعث الله نبيا إلى الإنس، والجن قبله صلّى الله عليه وسلّم، وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٣١) أي ويمنعكم الله من عذاب أليم معد للكفرة. قال ابن عباس: فاستجاب لهم من قومهم نحو سبعين رجلا من الجن، فرجعوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فوافوه في البطحاء، فقرأ عليهم القرآن وأمرهم ونهاهم، وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ محمدا أو من يبلغ عنه فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ له تعالى فِي الْأَرْضِ بهرب وإن هرب كل مهرب من أقطارها، أو دخل في أعماقها، وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أي من غير الله أَوْلِياءُ أي أنصار يدفعون عنه العذاب بالاستشفاع له، أو الافتداء به أُولئِكَ أي من لا يجيبون داعي الله فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٢) أي ظاهر، وهذا آخر كلام الجن الذين سمعوا القرآن،


الصفحة التالية
Icon