وفتح مكة أي لتنفعكم في الظاهر وتنفعكم في الباطن حيث يزداد يقينكم إذا رأيتم صدق الرسول في أخباره عن الغيوب، فيكمل اعتقادكم أي عجل الله فتح خيبر ليكون ذلك الفتح، وهو عزيمة أهل خيبر وسلامتكم عبرة للمؤمنين، لأنكم كنتم ثمانية آلاف، وإن أهل خيبر كانوا سبعين ألفا، وكف أيدي الناس عنكم وعن عيالكم ليكون ذلك الكف علامة للمؤمنين، فيعلموا أن الله يحرسهم في مشهدهم ومغيبهم، وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢٠) أي طريق التوكل عليه تعالى والثقة بفضله تعالى في كل ما تأتون وما تذرون،
وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها. وقوله: وَأُخْرى إما مبتدأ «ولم تقدروا» صفته، وقد أحاط الله خبره أي وغنيمة أخرى لم تقدروا عليها قد أعدها الله لكم فأنتم وإن لم تقدروا عليها في الحال، فهي محبوسة عليكم لا تفوتكم وهي مغانم هوازن في غزوة حنين، وإما معطوف على مغانم كثيرة، فكأنه تعالى قال: وعدكم الله مغانم تأخذونها ومغانم لا تأخذونها أنتم ولا تقدرون عليها، وإنما يأخذها من يجيء بعدكم من المؤمنين قد حفظها الله لهم لا يجري عليها هلاك إلى أن يأخذها المسلمون كإحاطة الحراس بالخزائن وهي غنائم فارس والروم، وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (٢١)، لأن قدرته تعالى ذاتية لا تختص بشيء دون شيء وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ أي ولو اجتمع بنو أسد وغطفان مع أهل خيبر كما زعموا، وقاتلوكم لانهزموا ولا ينصرون بل إنما الغلبة واقعة للمسلمين، فليس أمرهم أمرا اتفاقيا بل هو أمر إلهي محتوم، ثُمَّ بعد انهزامهم لا يَجِدُونَ وَلِيًّا ينفع باللطف وَلا نَصِيراً (٢٢) يدفع بالعنف، بل الهلاك لا حق بهم بعد الانهزام، سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ أي سن الله غلبة أنبيائه سنة قديمة فيمن مضى من الأمم حين خرجوا على الأنبياء، وَلَنْ تَجِدَ أيها السامع لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (٢٣) أي إن الله فاعل مختار يفعل ما يشاء ويقدر على إهلاك أحبائه من الأنبياء. ولكن لا يغير عادته وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ أي أيدي كفار مكة عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ أي في داخل الحرم وهو الحديبية غير أن كان فيها رمى بالحجارة بين الفريقين مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ أي أن غلبكم عليهم، وذلك أن عكرمة بن أبي جهل خرج في خمسمائة إلى الحديبية، فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خالد بن الوليد على جند، فهزمهم حتى أدخلهم حيطان مكة، ثم عاد.
وروى الترمذي وثابت عن أنس بن مالك: أن ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا على النبي صلّى الله عليه وسلّم من جبل التنعيم ليقتلوه، فأخذهم سلمان، فاستحياهم، فنزلت هذه الآية. وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٢٤) وقرأ أبو عمرو بالياء التحتية أي بما يعمل الكفار. والباقون بالتاء الفوقية أي بما تعلمون أنتم فإن الله يرى فيما تعملون من المصلحة. وإن كنتم لا ترون ذلك هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أي عن وصولكم إلى البيت الحرام عام الحديبية، وَالْهَدْيَ أي وصدوا الهدي الذي ساقه النبي وأصحابه. وقرأ أبو عمرو وفي رواية بالجر عطفا على المسجد بحذف المضاف، أي وعن نحر الهدي. وقرئ بالرفع بفعل مقدر مبني للمجهول، أي وصد الهدى.
وروي عن أبي عمر وعاصم وغيرهما كسر الدال وتشديد الياء مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ فقوله:


الصفحة التالية
Icon